البحر في الجلاب (١) إلى جدّة ساحل مكّة. وكذلك تجّار الهند واليمن والحبشة، يردون في البحر إلى عيذاب، ثم يسلكون هذه الصّحراء إلى قوص، ومنها يردون مدينة مصر.
فكانت هذه الصّحراء لا تزال عامرة آهلة بما يصدر أو يرد من قوافل التّجّار والحجّاج، حتى إن كانت أحمال البهار كالقرفة والفلفل ونحو ذلك لتوجد ملقاة بها، والقفول صاعدة وهابطة، لا يعترض لها أحد، إلى أن يأخذها صاحبها:
فلم تزل مسلكا للحجّاج في ذهابهم وإيابهم زيادة على مائتي سنة: من أعوام بضع وخمسين وأربع مائة، إلى أعوام بضع وستين وستّ مائة؛ وذلك منذ كانت الشّدّة العظمى في أيّام الخليفة المستنصر باللّه أبي تميم معدّ بن الظّاهر وانقطاع الحجّ في البرّ، إلى أن كسا السّلطان الملك الظّاهر ركن الدين بيبرس البندقداري الكعبة وعمل لها مفتاحا، ثم أخرج قافلة الحاج من البرّ في سنة ستّ وستين وستّ مائة، فقلّ سلوك الحاج لهذه الصّحراء، واستمرّت بضائع التّجّار تحمل من عيذاب إلى قوص حتى بطل ذلك بعد سنة ستين وسبع مائة، وتلاشى أمر قوص من حينئذ.
وهذه الصّحراء مسافتها من قوص إلى عيذاب سبعة عشر يوما، ويفقد فيها الماء ثلاثة أيّام متوالية، وتارة يفقد أربعة أيام.
وعيذاب مدينة على ساحل بحر جدّة، وهي غير مسوّرة، وأكثر بيوتها أخصاص. وكانت من أعظم مراسي الدّنيا، بسبب أنّ مراكب الهند واليمن تحطّ فيها البضائع وتقلع منها مع مراكب الحجّاج الصادرة والواردة (٢). فلمّا انقطع ورود مراكب الهند واليمن إليها، صارت المرسى
= الأشرف برسباي الذي احتكر التجارة الشرقية في القرن التاسع الهجري وسيطر على السفن الحاملة لهذه التجارة ورفع المكوس المفروضة عليها. ويعرف الآن مكان عيذاب عند قبائل عرب الصحراء الشرقية باسم سواكن القديمة وتقع على خط عرض ٢٢ درجة و ٢٠ ثانية في مواجهة بلدة أبي سمبل المصرية على النيل وبلد رابغ شمال جدّة على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر، بينما تقع سواكن الحالية على خط عرض ١٩ درجة. (راجع، البكري: جغرافية مصر ٨٤ - ٨٦؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٥١٩: ٣ - ٥٢٠؛ أحمد دراج: «إيضاحات جديدة عن التحوّل في تجارة البحر الأحمر منذ مطلع القرن التاسع الهجري»، الجمعية المصرية للدراسات التاريخية - الموسم الثقافي الثاني ١٩٦٨، ١٨٥ - ٢٢٠؛ Gibb، H.A.R.، El ٢? art.c? Aydha? b I، pp. ٨٠٥ - ٨٠٦; Garcin، J. -C.، «Jean-Leon l'Africain et c? Aydha? b»، An. Isl.XI (١٩٧٢)، pp. ١٩٤ - ٩٥; id.، «La Mediterraneisation» de l'empire mamlouk sous les sultans bahrides»، RSO XL VIII (١٩٧٣ - ٧٤)، pp. ١١٣ - ١٤; Darrag، A.، L'Egypte sous le Regne de Barsbay، pp. ٢٠١ - ٢٠٣، ٢٠٩ - ١٠؛ محمد رمزي: القاموس الجغرافي ٣٣٨: ١ - ٣٣٩). (١) جلبة ج جلاب انظر وصفها فيما يلي ٥٥١ نقلا عن ابن جبير. (٢) نقلا عن ابن جبير: الرحلة ٤٥.