العظيمة عدن من بلاد اليمن، إلى أن كانت أعوام بضع/ وعشرين وثمان مائة فصارت جدّة أعظم مراسى الدّنيا، وكذلك هرمز فإنّها مرسى جليل (١).
وعيذاب في صحراء لا نبات فيها، وكلّ ما يؤكل بها مجلوب إليها حتى الماء. وكان لأهلها من الحجّاج والتّجّار فوائد لا تحصى، وكان لهم على كلّ حمل يحملونه للحجّاج ضريبة مقرّرة، وكانوا يكارون الحجّاج الجلاب التي تحملهم في البحر إلى جدّة ومن جدّة إلى عيذاب، فيجتمع لهم من ذلك مال عظيم. ولم يكن في أهل عيذاب إلاّ من له جلبة فأكثر على قدر يساره (٢).
وفي بحر عيذاب مغاصّ اللّؤلؤ في جزائر قريبة منها، تخرج إليه الغوّاصون في وقت معيّن من كلّ سنة في الزّوارق، حتى يوافوه بتلك الجزائر فيقيمون هنالك أيّاما ثم يعودون بما قسم لهم من الحظّ؛ والمغاص فيها قريب القعر. وعيش أهل عيذاب عيش البهائم، وهم أقرب إلى الوحش في أخلاقهم من الإنس.
وكان الحجّاج يجدون في ركوبهم الجلاب على البحر أهوالا عظيمة؛ لأنّ الرّياح تلقيهم في الغالب بمراس في صحارى بعيدة ممّا يلي الجنوب، فينزل إليهم التّجّار من جبالهم فيكارونهم الجمال، ويسلكون بهم على غير ماء، فربّما هلك أكثرهم عطشا وأخذ التّجّار ما كان معهم، ومنهم من يصل ويهلك عطشا. والذي يسلم منهم يدخل إلى عيذاب كأنه نشر من كفن، قد استحالت هيئاتهم، وتغيّرت صفاتهم. وأكثر هلاك الحجّاج بهذه المراسي، ومنهم من يساعده الرّيح فتحطّه بمرسى عيذاب، وهو الأقلّ.
وجلباتهم التي تحمل الحجّاج في البحر لا يستعمل فيها مسمار ألبتّة، إنّما يخيّط خشبها بالقنبار - وهو متّخذ من شجر النارجيل - ويخلّلونها بدسر من عيدان النّخل، ثم يسقونها بسمن أو دهن الخروع أو دهن القرش، وهو حوت عظيم في البحر يبتلع الغرقى، وقلاع هذه الجلاب من خوص شجر المقل.
ولأهل عيذاب في الحجّاج أحكام الطّواغيت، فإنّهم يبالغون في شحن الجلبة بالناس حتى يبقى بعضهم فوق بعض حرصا على الأجرة، ولا يبالون بما يصيب النّاس في البحر، بل يقولون دائما: علينا بالألواح، وعلى الحجّاج بالأرواح.
(١) المقريزي: السلوك ٦٨١: ٤. (٢) نقلا عن ابن جبير: الرحلة ٤٥. وعن الجلبة ج. جلاب وجلبات انظر درويش النخيلي: السفن الإسلامية على حروف المعجم ٢٧ - ٢٩.