وإنّما قيل له جامع الفيلة لأنّ في قبلته تسع قباب في أعلاه ذات قناطر، إذا رآها الإنسان من بعيد شبّهها بمدرّعين على فيلة (١)، كالتي كانت تعمل في المواكب أيّام الأعياد، وعليها السّرير وفوقها المدرّعون، أيّام الخلفاء.
ولمّا كمل أقام في خطابته الشّريف الزّكيّ أمين الدّولة أبا جعفر محمد بن محمد بن هبة اللّه ابن عليّ الحسيني الأفطسي النّسّابة الكاتب الشّاعر الطّرابلسي (٢) بعد صرفه من قضاء الغربيّة. فلمّا رقي المنبر في (a) أوّل خطبة أقيمت في هذا الجامع، قال:«بسم اللّه الحمد للّه»، وأرتج عليه فلم يدر ما يقول. وكان هناك الشّيخ أبو القاسم عليّ بن منجب بن الصّيرفي الكاتب وولده مختصّ الدّولة أبو المجد، وأبو عبد اللّه بن بركات النّحوي ووجوه الدّولة. فلمّا أضجر من حضر، نزل عن المنبر وقد حمّ، فتقدّم قيّم الجامع وصلّى، ومضى الشّريف إلى داره فاعتلّ ومات (٣).
وكان قد ولي قضاء عسقلان وغيرها، ثم قدم إلى مصر فولي الحكم بالمحلّة، وولي ديوان الأحباس. وكان أحد الأعيان الأدباء العارفين بالنّسب، ومن الشّعراء المجيدين والنّحاة اللّغويين.
ولد بطرابلس الشّام في سنة اثنتين وستين وأربع مائة، وقدم إلى القاهرة في سنة إحدى وخمس مائة ومدح الأفضل، ومات في سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة وخمس مائة. وقد ترشّح للنّقابة بمصر ولم ينلها مع تطلّعه إليها، وذيّل كتاب أبي الغنائم الزّيدي النّسّابة. ومن شعره بديها، وقد نام مع جاريته على سطوح، فطلع القمر عليهما فارتاعا من كشف الجيران عليهما:
(a) في: ساقطة من بولاق. - وأقام له منبرا. (ابن الصيرفي: الإشارة إلى من نال الوزارة ١٠٦؛ ابن ميسر: أخبار مصر ٨٤؛ النويري: نهاية الأرب ٢٨٤: ٢٨ (نقلا عن الشريف الجواني)؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٧٢: ٣، المقفى الكبير ٩٦: ٧). والرّصد هو الجبل المشرف على منطقة أثر النّبي جنوب مصر القديمة المعروف الآن بجبل إسطبل عنتر، وكان يعلوه مبنى جدّده محمد علي باشا وجعله مخزنا للبارود باسم جبخانة أثر النّبي. وربّما تكون هذه الطّابية قد حلّت محلّ جامع الفيلة القديم. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٦٠: ٩ هـ ٤، ٢٢: ١١ هـ ٢؛ سعاد ماهر: مساجد مصر ١٠٤: ٢ - ١٠٥). (١) ابن الزيات: الكواكب السيارة ١٨٣. (٢) انظر ترجمته عند المقريزي: المقفى الكبير ٩٦: ٧ - ٩٨. (٣) النويري: نهاية الأرب ٢٨٥: ٢٨؛ المقريزي: المقفى الكبير ٩٧: ٧.