الوسط، كما إذا وضعت ترابا في قارورة وأدرتها بقوّة فإنّ التّراب يقوم في الوسط (١).
وقال محمد بن موسى الخوارزمي (٢): الأرض في وسط السّماء، والوسط هو السّفل بالحقيقة، وهي مدوّرة مضرّسة من جهة الجبال البارزة والوهاد الغائرة، وذلك لا يخرجها عن الكرّيّة إذا اعتبرت جملتها، لأنّ مقادير الجبال - وإن شمخت - يسيرة بالقياس إلى كرة (a) الأرض، فإنّ الكرة التي قطرها ذراع أو ذراعان مثلا إذا نتأ منها شيء أو غار فيها لا يخرجها عن الكرّيّة، ولا هذه التّضاريس لإحاطة الماء بها من جميع جوانبها (b) وغمرها بحيث لا يظهر منها شيء، فحينئذ تبطل الحكمة المودعة في المعادن والنّبات والحيوان (٣)، فسبحان من لا يعلم أسرار حكمه إلاّ هو.
والأرض جسم مستدير كالكرة، وقيل ليست بكرّيّة الشكل، وهي واقفة في الهواء بجميع جبالها وبحارها وعامرها وغامرها، والهواء محيط بها من جميع جهاتها كالمحّ في جوف البيضة. وبعدها من السّماء متساو من جميع الجهات. وأسفل الأرض ما تحقيقه هو عمق باطنها مما يلي مركزها من أي جانب كان.
وأمّا سطحها الظّاهر، المماس للهواء من جميع الجهات، فإنّه فوق، والهواء فوق الأرض يحيط بها ويجذبها من سائر الجهات. وفوق الهواء الأفلاك المذكورة فيما تقدّم، واحدا فوق آخر، إلى الفلك التاسع الذي هو أعلى الأفلاك ونهاية المخلوقات بأسرها.
وقد اختلف فيما وراء ذلك: فقيل خلاء، وقيل ملاء، وقيل لا خلاء ولا ملاء.
(a) في معجم البلدان: كل. (b) في معجم البلدان: ولولا هذا التضريس لأحاط بها الماء من جميع الجوانب. (١) قارن ياقوت: معجم البلدان ١٦: ١ - ١٧. (٢) في جميع النسخ: محمد بن أحمد الخوارزمي وهو سبق قلم من المقريزي تابع فيه ياقوت مصدره في هذه المعلومات، فالمقصود هو أبو عبد اللّه (جعفر) محمد بن موسى الخوارزمي صاحب كتاب «الجبر والمقابلة»، كان ينتمي إلى الفلكيين الذين عملوا في بيت الحكمة في بغداد في أيام المأمون العباسي وتوفي بعد سنة ٢٣٢ هـ/ ٨٤٧ م. والكتاب الذي يقصده المقريزي هنا هو كتابه المعروف ب «صورة الأرض» الذي استخرجه من كتاب جغرافيا الذي ألفه بطلميوس القلوذي والذي توجد منه نسخة وحيدة كتبت في رمضان سنة ٤٢٨ هـ/ ١٠٣٧ م موجودة الآن في مكتبة ستراسبورج Strasburg بفرنسا، نشرها هانس فون مزيك Mzik في فيينا سنة ١٩٢٦، وهو على هيئة زيج، أي جداول فلكية (راجع، Nallino، C.، «al، Khuwarismi et son remaniement de la Geographie de Ptolemee»،; BSKG IV serie n ٠ ٨ (١٨٩٦)، pp. ٥٢٥ - ٤٣ كراتشكوفسكي: تاريخ الأدب الجغرافي العربي ١٠٦ - ١١٣؛ فؤاد سزكين: مساهمة الجغرافيين العرب والمسلمين في صنع خريطة العالم، فرانكفورت ١٩٨٧، ٢١ - ٢٢. أما محمد بن أحمد الخوارزمي فهو مؤلف كتاب «مفاتيح العلوم». انظر فيما يلي ٢٥٨: ١. (٣) ياقوت: معجم البلدان ١٧: ١.