للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكلّ موضع يقف فيه الإنسان من سطح الأرض، فإنّ رأسه أبدا يكون ممّا يلي السّماء إلى فوق، ورجلاه أبدا تكون أسفل ممّا يلي مركز الأرض، وهو دائما يرى من السّماء نصفها، ويستر عنه النّصف الآخر حدبة الأرض. وكلّما انتقل من موضع إلى آخر، ظهر له من السّماء بقدر ما خفي عنه.

والأرض غامرة بالماء كعنبة طافية فوق الماء قد انحسر عنها نحو النصف وانغمر النصف الآخر في الأرض، وصار المنكشف من الأرض نصفين، كأنّما قسم بخطّ مسامت لخط معدّل النّهار يمرّ تحت دائرته.

وجميع البلاد التي على هذا الخطّ لا عرض لها ألبتّة، والقطبان غير مرتّبين فيها، ويكونان هناك على دائرة الأفق من الجانبين. وكلّما بعد موضع بلد عن هذا الخط إلى ناحية الشّمال قدر درجة (١)، ارتفع القطب الشّمالي الذي هو الجدي على أهل ذلك البلد درجة، وانخفض القطب الجنوبي الذي هو سهيل درجة، وهكذا ما زاد.

ويكون الأمر فيما بعد، من البلاد الواقعة في ناحية الجنوب كذلك، من ارتفاع القطب الجنوبي وانحطاط القطب الشّمالي. وبهذا عرف عرض (٢) / البلدان، وصار عرض البلد عبارة عن ميل دائرة معدّل النّهار عن سمت رؤوس أهله وارتفاع القطب عليهم، وهو أيضا بعد ما بين سمت رؤوس أهل ذلك البلد وسمت رؤوس أهل بلد لا عرض له.

فأمّا ما انكشف من الأرض، ممّا يلي الجنوب من خطّ الاستواء، فإنّه خراب. والنّصف الآخر، الذي يلي الشّمال من خطّ الاستواء، فهو الرّبع العامر، وهو المسكون من الأرض.

وخطّ الاستواء لا وجود له في الخارج، وإنّما هو فرض توهّمنا أنّه خط، ابتداؤه من المشرق إلى المغرب تحت مدار رأس الحمل، وسمّي بذلك من أجل أنّ النّهار واللّيل هناك أبدا سواء، لا يزيد أحدهما عن الآخر شيئا ألبتّة في سائر أوقات السّنة كلّها. ونقطتا هذا الخطّ ملازمتان للأفق:

إحداهما على مدار سهيل في ناحية الجنوب، والأخرى ممّا يلي الجدي في ناحية الشّمال (٣).


(١) الدّرجه. قدر ما تقطعه الشمس في يوم وليلة من الفلك، وفي مساحة الأرض خمسة وعشرون فرسخا (ياقوت: معجم البلدان ٣٩: ١).
(٢) عرض البلد مقابل لطوله، ومعناه عند المنجمين هو بعده الأقصى عن خط الاستواء نحو الشمال (نفسه ٣٩: ١).
(٣) قارن مع ياقوت: معجم البلدان ١٨: ١.