والمحيطين بدهليزه إذا سافر، وأسكنهم معه في قلعة الرّوضة (١)، وسمّاهم «البحريّة»(٢). وكانوا دون الألف مملوك - وقيل ثمان مائة وقيل سبع مائة وخمسون - كلّهم أتراك.
فلمّا مات الملك الصّالح بالمنصورة، أحسّ الفرنج بشيء من ذلك،/ فركبوا من مدينة دمياط وساروا على فارسكور وواقعوا العسكر في يوم الثلاثاء أوّل شهر رمضان سنة سبع وأربعين، ونزلوا بقرية شرمساح ثم بالبرمون، ونزلوا تجاه المنصورة. فكانت الحروب بين الفريقين إلى خامس ذي القعدة، فلم يشعر المسلمون إلاّ والفرنج معهم في المعسكر، فقتل الأمير فخر الدّين بن شيخ الشّيوخ، وانهزم النّاس، ووصل ريدا فرنس (a) ملك الفرنج إلى باب قصر السّلطان. فبرزت «البحريّة» وحملوا على الفرنج حملة منكرة حتى أزاحوهم وولّوا، فأخذتهم السّيوف والدّبابيس، وقتل من أعيانهم ألف وخمس مائة. فظهرت «البحريّة» من يومئذ واشتهرت (٣).
ثم لمّا قدم الملك المعظّم توران شاه، أخذ في تهديد شجر الدّرّ ومطالبتها بمال أبيه، فكاتبت البحريّة تذكّرهم بما فعلته من ضبط المملكة حتى قدم المعظّم، وما هي فيه من الخوف منه، فشقّ ذلك عليهم. وكان قد وعد الفارس أقطاي (٤) المتوجّه إليه من المنصورة لاستدعائه من حصن كيفا بإمرة فلم يف له، فتنكّر له، وهو من أكابر البحريّة، وأعرض مع ذلك عن البحريّة، واطرح جانب الأمراء وغيرهم حتى قتلوه. وأجمعوا على أن يقيموا بعده في السّلطنة سريّة أستاذهم
(a) بولاق: روادفرنس. (١) فيما تقدم ٥٨٤. (٢) اختلفت المصادر والدّراسات الحديثة حول أصل كلمة «البحريّة» وهل هي نسبة إلى بحر النّيل - حيث كانت قلعة الرّوضة - أو لأنّهم جاءوا من وراء البحر؟ راجع مناقشة ذلك عند، أحمد مختار العبّادي: قيام دولة المماليك الأولى في مصر والشّام، بيروت ١٩٦٩، ٩٦ - ٩٩؛ Ayalon، D.، «Leregiment Bahriyya dans l'armeemamelouke»، REI ١٩ (١٩٥١)، pp. ١٣٣ - ٤١; id.، El art.la- Bahriyya I، pp. ٩٧٣ - ٧٤; id.، «From Ayyubids to Mamluks»، REI ٤٩ (١٩٨١)، pp. ٤٣ - ٥٧; «Bahri Mamluks، Burji Mamluks-Inaderquate Names for the Two Reigns of the Mamluke Sultanate»، Tarlh I (١٩٩٠)، pp. ٣ - ٥٣. (٣) فيما تقدم ٥٩٩: ١ - ٦٠١. (٤) انظر أخبار الفارس أقطاي الجمدار أحد أكابر المماليك البحرية المتطلّعين إلى السّلطنة، والذي توفي مقتولا بمؤامرة دبّرها له السّلطان المعز أيبك التركماني سنة ٦٥٢ هـ/ ١٢٥٤ م، عند ابن عبد الظّاهر: الروض الزاهر ٥٢ - ٥٤؛ النويري: نهاية الأرب ٤٢٩: ٢٩ - ٤٣٢؛ ابن أيبك: كنز الدرر ٢٤: ٨ - ٢٦؛ بيبرس الدوادار: زبدة الفكرة ١٠، ١٢؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٣١٧: ٩ - ٣١٨؛ المقريزي: السلوك ٣٤٥: ١، ٣٨١، ٣٨٦، ٣٨٩ - ٣٩١؛ العيني: عقد الجمان ٨٥: ١ - ٨٧؛ أبي المحاسن: المنهل الصافي ٥٠٢: ٢ - ٥٠٤، النجوم الزاهرة ١٠: ٧ - ١٢.