للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الأفضل بن أمير الجيوش لمّا تربّى قدّام دار الملك جزيرة رمل، كما هى اليوم، أراد أن يقرّب البحر وينقل الجزيرة، فأشير عليه بأن يبني ممّا يلي الجزيرة أنفا خارجا في البحر ليلقى التيّار وينقل الرّمل. فعسر هذا، وعظمت غرامته.

فأشار عليه ابن سنيد (a) بأن يأخذ قصارى فخّار، تثقب ويعمل تحتها رءوس برابخ وتلطّخ بالزّفت، وتكبّ القصارى عليها وتدفن في الرّمل، فإذا زاد النّيل وركبها، نزل من خروق القصارى إلى الرّءوس فأدارها الماء، ومنعتها القصارى أن تنحدر، ودامت حركة الرّمل بتحريك الماء للرّءوس، فانتقل الرّمل. وذكر أنّ للزّفت خاصّيّة في تحويل الرّمل.

قال: وفي هذا الوقت احترق النّيل، وصار البحر مخايض يقطعها الرّاجل، وتوحل فيه المراكب، وتشمّر الماء عن ساحل المقس ومصر، وربّى جزائر رملية أشفق منها على المقياس لئلا يتقلّص النّيل عنه ويحتاج إلى عمل غيره، وخشي منها أيضا على ساحل المقس لكون بنيان السّور كان اتّصل بالماء، وقد تباعد الآن عن السّور، وصار المدّ قوّته من برّ الغرب. ووقع النّظر في إقامة جراريف لقطع الجزائر التي ربّاها البحر، وعمل أنوفا خارجة في برّ الجيزة ليميل بها الماء إلى هذا الجانب، ولم يتم شيء من ذلك.

وقال ابن المتوّج: في سنة خمسين وستّ مائة انتهى النّيل في إحراقه (b) إلى أربعة أذرع وسبعة عشر أصبعا، وانتهى في زياداته إلى ثمانية عشر ذراعا (c)) وسبعة عشر أصبعا (c)، وكان مثل ذلك في دولة الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وكان نيلا عظيما سدّ فيه باب المقس، يعني الباب الذي يعرف اليوم بباب البحر عند المقس. وفي سنة اثنتين وستين وستّ مائة، أحضر إلى الملك الظّاهر بيبرس طفل وجد ميّتا بساحل المقس، له رأسان وأربعة أعين وأربعة أرجل وأربعة أيد.

أخبرني وكيل أبي الشّيخ المعمّر حسام الدّين حسن بن عمر الشّهرزوري (d) ومولده سنة اثنتين وسبع مائة بالمقس، أنّه يعرف باب البحر هذا: إذا خرج منه الإنسان فإنّه يرى برّ الجيزة لا يحول بينه وبينها حائل، فإذا زاد ماء النّيل صار الماء عند الوكالة التي هي الآن خارج باب البحر، المعروفة بوكالة الجبن، وإذا كان أيّام احتراق النّيل بقيت الرّمال تجاه باب البحر، وذلك قبل أن يحفر الملك النّاصر محمد بن قلاوون الخليج النّاصريّ. فلمّا حفر الخليج المذكور، أنشأ النّاس البساتين والدّور، كما يجيء إن شاء اللّه تعالى ذكره.


(a) بولاق: سيد.
(b) بولاق: احتراقه.
(c-c) ساقط من بولاق.
(d) بولاق: السهروردي.