وسبعين وسبع مائة عندما جدّد جامع المقس الذي أنشأه الخليفة الحاكم بأمر اللّه، فصار يعرف بجامع المقسي هذا إلى اليوم. وما برح جامع المقس هذا يشرف على النّيل الأعظم إلى ما بعد سنة سبع مائة بعدّة أعوام (١).
قال جامع:«السّيرة الطّولونيّة»: وركب أحمد بن طولون في غداة باردة إلى المقس، فأصاب بشاطئ النّيل صيّادا عليه خلق لا يواريه منه شيء، ومعه صبيّ له في مثل حاله، وقد ألقى شبكته في البحر. فلمّا رآه رقّ له وقال: يا نسيم ادفع إلى هذا عشرين (a) دينارا. فدفعها إليه ولحق ابن طولون. فسار أحمد بن طولون ولم يبعد، ورجع فوجد الصّيّاد ميّتا والصّبيّ يبكي ويصيح، فظنّ ابن طولون أنّ بعض سودانه قتله وأخذ الدّنانير منه، فوقف بنفسه عليه، وسأل الصّبيّ عن أبيه، فقال له: هذا الغلام - وأشار إلى نسيم الخادم - دفع إلى أبي شيئا، فلم يزل يقلّبه حتى وقع ميّتا.
فقال: فتّشه يا نسيم. فنزل وفتّشه، فوجد الدّنانير معه بحالها، فحرّض الصّبيّ أن يأخذها. فأبى وقال: هذه قتلت أبي، وإن أخذتها قتلتني.
فأحضر ابن طولون قاضي المقس وشيوخه، وأمرهم أن يشتروا للصّبي دارا بخمس مائة دينار تكون لها غلّة، وأن تحبس عليه، وكتب اسمه في أصحاب الجرايات وقال: أنا قتلت أباه لأنّ الغنى يحتاج إلى تدريج وإلاّ قتل صاحبه./ هذا كان يجب أن يدفع إليه دينار بعد دينار حتى تأتيه هذه الجملة على تفرقة فلا تكثر في عينه (٢).
وقال القاضي الفاضل عبد الرّحيم البيساني ﵀ في «تعليق المتجدّدات» لسنة سبع وسبعين وخمس مائة: وفيه - يعني يوم الثلاثاء لستّ بقين من المحرّم - ركب السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب، أعزّ اللّه نصره، لمشاهدة ساحل النّيل - وكان قد انحسر وتشمّر عن المقس وما يليه، وبعد عن السّور والقلعة المستجدّين بالمقس - وأحضر أرباب الخيرة، واستشارهم، فأشير عليه بإقامة الجراريف لرفع الرّمال التي قد عارضت جزائرها طريق الماء، وسدّته ووقفت فيه.
(a) عند البلوي: ثلاثين. (١) فيما تقدم ٢٦٤: ٢ - ٢٦٦؛ وفيما يلي ٢٨٣: ٢. (٢) البلوي: سيرة أحمد بن طولون ١٩٣ - ١٩٤؛ ابن سعيد: المغرب في حلى المغرب ٩٩ (عن ابن الداية).