للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وساروا إلى الشّرق كما فعل آباؤهم أوّلا، وأخذوا معهم نسخا من «المشنا» التي كتبت للملوك من «مشنا» موسى التي بخطّه، وعملوا بما فيها ببلاد الشّرق من حين خرجوا من القدس إلى أن جاء اللّه بدين الإسلام، وقدم عانان رأس الجالوت من المشرق إلى العراق، في خلافة أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، سنة ستّ وثلاثين ومائة من سني الهجرة المحمّديّة (١).

وأمّا الذين أقاموا بالقدس من بني إسرائيل بعد خروج من ذكرنا إلى الشّرق من آل داود فإنّهم لم يزالوا في افتراق واختلاف في دينهم إلى أن غزاهم طيطش، وخرّب القدس الخراب الثّاني - بعد قتل يحيى بن زكريا، ورفع المسيح عيسى بن مريم وسبى جميع من فيه وفي بلاد بني إسرائيل بأسرهم، وغيّب نسخ «المشنا» التي كانت عندهم، بحيث لم يبق معهم من كتب الشّريعة سوى التّوراة وكتب الأنبياء. وتفرّق بنو إسرائيل من وقت تخريب طيطش بيت المقدس في أقطار الأرض، وصاروا ذمّة إلى يومنا هذا.

ثم إنّ رجلين ممّن تأخّر إلى قبيل تخريب القدس - يقال لهما شماي وهلال - نزلا مدينة طبريّة، وكتبا كتابا سمّياه «مشنا» باسم مشنا موسى وضمّنا هذا «المشنا» الذي وضعاه أحكام الشّريعة، ووافقهما على وضع ذلك عدّة من اليهود.

وكان شماي وهلال في زمن واحد، وكانا في أواخر مدّة تخريب البيت الثّاني، وكان لهلال ثمانون تلميذا أصغرهم يوحانان بن زكاي، وأدرك يوحانان بن زكاي خراب البيت الثّاني على يد طيطش. وهلال وشماي أقوالهما مذكورة في «المشنا»، وهي في ستة أسفار تشتمل على فقه التّوراة، وإنّما رتّبها النوسي، من ولد داود النبي، بعد تخريب طيطش للقدس بمائة وخمسين سنة.

ومات شماي وهلال ولم يكملا المشنا، فأكمله رجل منهم يعرف بيهوذا من ذرّيّة هلال، وحمل اليهود على العمل بما في هذا «المشنا»، وحقيقته أنّه يتضمّن كثيرا ممّا كان في مشنا النبي موسى وكثيرا من آراء أكابرهم. فلمّا كان بعد وضع هذا «المشنا» بنحو خمسين سنة، قام طائفة من اليهود يقال لهم «السّنهذرين» (a) - ومعنى ذلك: الأكابر - وتصرّفوا في


(a) بولاق: السنهدوين.
(١) انظر فيما يلي ٩٥٢، ٩٥٥.