للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنّه كتب قصّة يسأل فيها السّفر إلى الشّام، وشكا كثرة التّكلفة - وكان قبل ذلك جرى ذكره في مجلس السّلطان، فذمّه وتهدّده - فعند ما قرئت عليه قصّته تحرّك ما كان ساكنا من غضبه، ورسم بإيقاع الحوطة عليه. فحمل من داره إلى قاعة الصّاحب من قلعة الجبل في رابع عشرين شعبان سنة تسع وثلاثين، وخرج إليه الأمير طاجار الدّوادار، وأمر به فعرّي من ثيابه ليضرب بالمقارع، فرفق به ولم يضربه، واستكتبه خطّه بحمل عشرة آلاف. فأحيط بداره، وأخرج سائر ما وجد له وبيع عليه، وأرسل مملوكه إلى بلاد الشّام، فباع كلّ ما له فيها، واقترض خمسين ألف درهم حتى حمل من ذلك كلّه مائة وأربعين ألف درهم، عنها سبعة آلاف دينار.

فسكن أمره وخفّ الطّلب عنه، وأقام إلى ثالث عشر ربيع الآخر سنة أربعين مدّة سبعة أشهر وثمانية عشر يوما ففرّج اللّه عنه بأمر عجيب. وهو أنّه لمّا كان يباشر عن أبيه، وقّع شخص من الكتّاب بشيء زوّره (a)، فرسم السّلطان بقطع يده، (b)) فلم يزل شهاب الدّين يتلطّف في أمره حتى عفا السّلطان عنه من قطع يده (b) وأمر به فسجن طول هذه السّنين إلى أن قدّر اللّه سبحانه أنّه رفع قصّة يسأل فيها العفو عنه. فلمّا قرئت على السّلطان لم يعرفه، فسأل عن خبره وشأنه، فقيل له لا يعرف خبر هذا إلاّ شهاب الدّين بن فضل اللّه، فبعث إليه بقاعة الصّاحب يستخبره عنه، فطالعه بقصّته وما كان منه، فألان اللّه له قلب السّلطان، ورسم بالإفراج عن الرّجل وعن شهاب الدّين وعن مملوكه، ففرّج اللّه عن الثلاثة.

ونزل شهاب الدّين إلى داره، وأقام إلى أن قبض السّلطان على الأمير تنكز نائب الشّام، فاستدعى شهاب الدّين إلى حضرته وحلّفه، وولاّه كتابة السّرّ بدمشق عوضا عن شرف الدّين خالد بن عماد الدّين إسماعيل بن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن خالد ابن نصر المخزومي المعروف بابن القيسراني، فباشرها حتى مات بدمشق. وانفرد أخوه علاء الدّين بكتابة السّرّ إلى أن مات ليلة الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان، سنة تسع وستين وسبع مائة، بمنزله من القاهرة عن سبع وخمسين سنة، وترك ستّة بنين وأربع بنات.


(a) بولاق: زور.
(b-b) ساقطة من بولاق.