فوجدت ما يكون بها من النّجاسات فطهّرته منها، وها أنا أبنيها خلفه. ثم أمر ببنائها (١).
وقيل: إنّه لمّا فرغ من بنائه رأى في منامه كأنّ نارا نزلت من السّماء فأخذت الجامع دون ما حوله. فلمّا أصبح قصّ رؤياه فقيل له: أبشر بقبول الجامع، لأنّ النّار كانت في الزّمان الماضي إذا قبل اللّه قربانا نزلت نار من السّماء أخذته، ودليله قصّة قابيل وهابيل.
قال: ورأيت من يقول إنّه عمل به منطقة من عنبر طائفة (a) بجميعه. ولم أر مصنّفا ذكره، إلاّ أنّه مستفاض من الأفواه والنّقلة (٢). وسمعت من يقول: إنّ حوله عمّر حتى كانت خلفه مسطبة ذراع في ذراع: أجرتها في كلّ يوم اثنا عشر درهما في بكرة النّهار لشخص يبيع الغزل ويشتريه، والظّهر لخبّاز، والعصر لشخص (b) يبيع الحمّص والفول (٣).
وقيل عن أحمد بن طولون: إنّه كان لا يعبث بشيء قطّ، فاتّفق أنّه أخذ درجا أبيض بيده وأخرجه ومدّه، واستيقظ لنفسه وعلم أنّه قد فطن به، وأخذ عليه لكونه لم تكن تلك عادته.
فطلب المعمار على الجامع، وقال: تبنى المنارة التي للتأذين هكذا؛ فبنيت على تلك الصّورة (٤).
والعامّة يقولون: إنّ العشاريّ الذي على المنارة المذكورة يدور مع الشّمس. وليس صحيحا، وإنّما يدور مع دوران الرّياح. وكان الملك الكامل قد اعتنى بوقودها ليلة النّصف من شعبان ثم أبطلها (٥).
(a) بولاق: دائرة. (b) بولاق: لشيخ. (١) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٧٩؛ القلقشندي: صبح الأعشى ٣٤٠: ٣؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٠: ٣ - ١١. (٢) نفسه ٧٩، ٨٠. (٣) نفسه ٨٠؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١١: ٣. (٤) المقريزي: مسوّدة الخطط ٧٥ و. وانظر حول أصل مئذنة جامع ابن طولون وطرازها الذي يشبه كثيرا مآذن جوامع مدينة سامرّا بالعراق وجامع أبي دلف شمال هذه المدينة، والتي جدّدت أثناء عملية تجديد الجامع التي قام بها السّلطان المملوكي المنصور حسام الدّين لاجين سنة ٦٩٦ هـ/ ١٢٩٦ م، فريد شافعي: «مئذنة جامع ابن طولون، رأي في تكوينها المعماري»، مجلة كلية الآداب - جامعة القاهرة ١٤ (١٩٥٢)، ١٦٧ - ١٧٤؛ نفسه: العمارة العربية في مصر الإسلامية ٤٧٩ - ٤٨٥؛ السيد عبد العزيز سالم: المآذن المصرية، الإسكندرية ١٩٨٢، ١٥ - ١٦؛ أحمد فكري: مساجد القاهرة ومدارسها (المدخل)، ١١٧ - ١١٩؛ Wiet، G.، CIA Egypte II، pp. ٧٤ - ٧٥; Creswell، K.A.C.، EMA II، pp. ٣٥٠ - ٥٥; Muhammad، R.، «The Minaret of Ibn Tulun»، Sumer XXIII (١٩٦٧)، pp. ٨٣ - ٩٦. (٥) ابن عبد الظاهر: الروضة البهية ٨٠.