والعمل من الحفر بطّال، فتجمّع عدّة من غوغاء العامّة بغير مرسوم السّلطان، وقالوا بصوت عال مرتفع:«اللّه أكبر»، ووضعوا أيديهم بالمساحي ونحوها في كنيسة الزّهري، وهدموها حتى بقيت كوما، وقتلوا من كان فيها من النصارى، وأخذوا جميع ما كان فيها.
وهدموا «كنيسة بومنا» التي كانت بالحمراء - وكانت معظّمة عند النصارى من قديم الزّمان - وبها عدّة من النصارى قد انقطعوا فيها، ويحمل إليهم نصارى مصر سائر ما يحتاج إليه، ويبعث إليها بالنذور الجليلة والصّدقات الكثيرة. فوجد فيها مال كثير ما بين نقد ومصاغ وغيره، وتسلّق العامّة إلى أعلاها، وفتحوا أبوابها، وأخذوا منها مالا وقماشا وجرار خمر، فكان أمرا مهولا.
ثم مضوا من «كنيسة الحمراء»، بعدما هدموها، إلى كنيستين بجوار السّبع سقايات - تعرف إحداهما ب «كنيسة البنات»، كان يسكنها بنات النصارى وعدّة من الرّهبان - فكسروا أبواب الكنيستين، وسبوا البنات، وكنّ زيادة على ستين بنتا - وأخذوا ما عليهن من الثياب، ونهبوا سائر ما ظفروا به، وحرقوا وهدموا تلك الكنائس كلّها، هذا والناس في صلاة الجمعة.
فعند ما خرج الناس من الجوامع، شاهدوا هولا كبيرا من كثرة الغبار ودخان الحريق، ومرج الناس وشدّة حركاتهم ومعهم ما نهبوه، فما شبّه الناس الحال لهوله إلاّ بيوم القيامة، وانتشر الخبر، وطار إلى الرّميلة تحت قلعة الجبل. فسمع السّلطان ضجّة عظيمة ورجّة منكرة أفزعته، فبعث لكشف الخبر، فلمّا بلغه ما وقع انزعج انزعاجا عظيما، وغضب من تجرّي العامّة وإقدامهم على ذلك بغير أمره، وأمر الأمير أيدغمش أمير آخور أن يركب بجماعة الأوشاقيّة، ويتدارك هذا الخلل، ويقبض على من فعله.
فأخذ أيدغمش يتهيّأ للرّكوب، وإذا بخبر قد ورد من القاهرة أنّ العامّة ثارت في القاهرة، وخرّبت كنيسة بحارة الرّوم وكنيسة بحارة زويلة. وجاء الخبر من مدينة مصر أيضا بأنّ العامّة قامت بمصر في جمع كثير جدّا، وزحفت إلى «كنيسة المعلّقة» بقصر الشّمع، فأغلقها النصارى وهم محصورون بها، وهى على أن تؤخذ.
= ٣٠٦: ٩؛ مفضل بن أبي الفضائل: النهج السديد (نشرة S.Kortanlamer) ١٣ - ١٤ (٤٣ - ٤٤٢)؛ المقريزي: السلوك ٢١٦: ٢ - ٢٢٠؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٦٥: ٩ - ٦٨؛ Mounir Megally، CE art.Waq؟ at al- Kanla'is VII، pp. ٢٣١٣ - ١٦.