للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وربّما انقطع النّيل في آخر الرّبيع وأوّل الصّيف من جهة الفسطاط، فيعفن بكثرة ما يلقى فيه إلى أن يبلغ عفنه إلى أن يصير له رائحة منكرة محسوسة. وظاهر أنّ هذا الماء إذا صار على هذه الحالة غيّر مزاج الناس تغيّرا محسوسا.

وينبغي أن يستقى ماء النّيل من الموضع الذي فيه جريه أشدّ والعفونة فيه أقلّ (١). ويصفّي كلّ إنسان هذا الماء بحسب ما يوافق مزاجه: أما المحرورون في أيام الصيف فبالطّباشير والطّين الأرمنيّ والمغرة والنّبق المرضوض والزّعرور المرضوض والخلّ، وأما المبرودون في أيام الشّتاء فباللّوز المرّ وداخل نوى المشمش والصّعتر والشّب.

وينبغي أن يقطف (a) ما يروّق ويشرب، وإن شئت أن تصفّيه بأن تجعله في آنية الخزف والفخّار والجلود و [تأخذ] (b) ما يمصل من ذلك بالرّشح، وإن شئت طبخته بالنار وجعلته في هواء الليل حتى يروق، ثم قطفت (c) منه ما يروّق واستعملته. وإذا ظهرت فيه كيفيات رديئات فاطبخه بالنار، ثم برّده تحت السّماء في برودة الليل، وصفّه بأخلاط الأدوية التي ذكرتها.

وأجود ما اتّخذ هذا الماء أن يصفّى مرارا، وذلك بأن تسخّنه أو تطبخه، ثم تبرّده في هواء الليل، وتقطف ما يروق منه، فتصفّيه أيضا ببعض الأدوية، ثم تأخذ ما يروّق فتجعله في آنية تمصل في برد الليل، وتأخذ الرّشح فتشربه.

واجعل آنية هذا الماء في الصّيف الخزف والفخّار المعمولين في طوبة، والظّروف الحجرية والقرب ونحوها ممّا يبرّد، وفي الشّتاء الآنية الزّجاج والمدهون وما يعمل في الصّيف من الفخّار والخزف. ويكون موضعه في الصّيف تحت الأسراب وفي مخاريق ريح الشّمال، وفي الشّتاء بالمواضع الحارّة.

ويبرّد في الصيف بأن يخلط معه ماء الورد، وتؤخذ خرقة نظيفة، ويشدّ فيها طباشير أو بزر (d) رجلة أو خشخاش أبيض أو طين أرمنيّ أو مغرة، ويلقى فيه كيما يأخذ من بردها ولا يخالطه جسمها، وتغسل ظروفه (e) في الصيف بالخزف المدقوق وبدقيق الشّعير والباقلاّء والصّندل، وفي الشّتاء بالأشنان والسّعد، ويبخّر بالمصطكى والعود.


(a) الأصل وبولاق: ينطف، والمثبت من ابن رضوان.
(b) زيادة من ابن رضوان.
(c) بولاق: نطفت.
(d) الأصل وبولاق: وبزر والتصويب من ابن رضوان.
(e) ابن رضوان: أوعيته.
(١) ابن رضوان: دفع مضار الأبدان ٢١٤.