فلمّا بلغ ذلك عامّة قومهم تحمّلوا إليهم، فوصل إليهم خمس مائة أهل بيت من البادية، فكانوا على مثل ذلك، فأقاموا سنة، فأتاهم نحو من خمس مائة أهل بيت، فصار ببلبيس ألف وخمس مائة أهل بيت من قيس.
حتى إذا كان زمن مروان بن محمد، وولي الحوثرة بن سهيل الباهلي مصر، مالت إليه قيس، فمات مروان وبها ثلاثة آلاف أهل بيت، ثم توالدوا وقدم عليهم من البادية من قدم (١).
وفي سنة ثمان وسبعين ومائة كشف إسحاق بن سليمان بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاس أمير مصر أمر الخراج، وزاد على المزارعين زيادة أجحفت بهم، فخرج عليه أهل الحوف وعسكروا، فبعث إليهم الجيوش وحاربهم، فقتل من الجيش جماعة، فكتب إلى أمير المؤمنين هارون الرّشيد يخبره بذلك، فعقد لهرثمة بن أعين في جيش عظيم وبعث به إلى مصر، فنزل الحوف، وتلقّاه أهله بالطّاعة وأذعنوا بأداء الخراج، فقبل هرثمة منهم واستخرج خراجه كله (٢).
ثم إنّ أهل الحوف خرجوا على اللّيث بن الفضل البيوردي أمير مصر، وذلك أنّه بعث بمسّاح يمسحون عليهم أراضي زرعهم، فانتقصوا من القصبة أصابع، فتظلّم الناس إلى اللّيث فلم يسمع منهم، فعسكروا وساروا إلى الفسطاط؛ فخرج إليهم اللّيث في أربعة آلاف من جند مصر، في شعبان سنة ستّ وثمانين ومائة، فالتقى معهم في رمضان، فانهزم عنه الجند في ثاني عشره، وبقي في نحو المائتين، فحمل بمن معه على أهل الحوف فهزمهم حتى بلغ بهم غيفا (٣)، وكان التقاؤهم على أرض جبّ عميرة، وبعث اللّيث إلى الفسطاط بثمانين رأسا من رؤوس القيسيّة ورجع إلى الفسطاط.
وعاد أهل الحوف إلى منازلهم ومنعوا الخراج، فخرج ليث إلى أمير المؤمنين هارون الرّشيد في محرم سنة سبع وثمانين ومائة، وسأله أن يبعث معه بالجيوش فإنّه لا يقدر على استخراج الخراج من أهل الأحواف (a) إلاّ بجيش يبعث به معه. وكان محفوظ بن سليم (b) بباب الرّشيد، فرفع محفوظ إلى الرّشيد يضمن له خراج مصر عن آخره بلا سوط ولا عصا، فولاّه الخراج، وصرف ليث بن الفضل عن صلات مصر وخراجها (٤).
(a) بولاق: الحوف. (b) الكندي: سليمان. (١) الكندي: ولاة مصر ٩٨ - ٩٩. (٢) نفسه ١٦٠ - ١٦١. (٣) غيفا: ضيعة تقارب بلبيس. (انظر فيما يلي ٤٩٧). (٤) الكندي: ولاة مصر ١٦٦ - ١٦٧.