للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير أن يشيّع جنازته أحد من النّاس. فسرّ بذلك ولم يتمالك نفسه. وأمر المطربين فغنّوه، ثم قام على رجليه ورقص هو وسائر من حضره وأظهر من الفرح والخلاعة ما خرج به عن الحدّ، وخلع على البشير بموت المذكور خلعا سنيّة.

فلم يمض على ذلك سوى أقلّ من أربعة أشهر، ومات في حادي عشرين شعبان من السنة المذكورة ففجع به أبوه، وكانت له جنازة عظيمة. ولمّا دلّي في لحده، قام شرف الدّين محمد ابن سعيد البوصيري - صاحب البردة - في ذلك الجمع الموفور بتربة ابن حنّا من القرافة، وأنشد (١):

[الخفيف]

نم هنيئا محمّد بن عليّ … بجميل قدّمت بين يديكا

لم تزل عوننا على الدّهر حتّى … غلبتنا (a) يد المنون عليكا

أنت أحسنت في الحياة إلينا … أحسن اللّه في الممات إليكا

فتباكى النّاس وكان لها محلّ كبير ممّن حضر، رحمة اللّه عليهم أجمعين.

وفي هذا الجامع يقول السّراج الورّاق (٢):

[الطويل]

بنيتم على تقوى من اللّه مسجدا … وخير مباني العابدين المساجد

فقل في طراز معلّم فوق بركة … على حسنها الزّاهي لها البحر حاسد

لها حلل شتّى (b) ولكنّ طرازها … من الجامع المعمور باللّه واحد

هو الجامع الإحسان والحسن والذي … أقرّ له زيد وعمرو وخالد

وقد صافحت شهب الدّجى شرفاته … فما هي بين الشّهب إلاّ فراقد

وقد أرشد الضّلاّل عالي مناره … فلا حائر عنه ولا عنه حائد

ونالت نواقيس الدّيارات وجمة … وخوف فلم يمدد إليهن ساعد


(a) البيت في الوافي: كنت عونا لنا على الدّهر حتى حسدتنا.
(b) بولاق: حسنى.
(١) ديوان البوصيري، نشر محمد سيد الكيلاني، القاهرة ١٩٥٥، ٢٣٢.
(٢) سراج الدّين أبو حفص عمر بن محمد بن حسن الورّاق الشّاعر، المتوفى سنة ٦٩٥ هـ/ ١٢٩٥ م بسويقة وردان بالقاهرة، راجع ترجمته عند، ابن شاكر: فوات الوفيات ١٤٠: ٣ - ١٤٦؛ ابن حبيب: تذكرة النبيه ١٨٧: ١؛ الصقاعي: تالي كتاب وفيات الأعيان ١١٧؛ العيني: عقد الجمان ٣٣١: ٣؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٨٣: ٨ - ٨٤، المنهل الصافي ٣١٦: ٨ - ٣١٩.