للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي ينتهي إلى المقس، وصارت هناك رمال وجزائر ما من سنة إلاّ أيام الزّيادة فقط، وفي طول السّنة ينبت هناك البوص والحلفاء، وتنزل المماليك السّلطانية لرمي النّشّاب في تلك التّلال الرّمل.

فلمّا كان سنة ثلاث عشرة وسبع مائة، رغب النّاس في العمارة بديار مصر، لشغف السّلطان الملك النّاصر بها ومواظبته عليها، فكأنّما نودي في القاهرة ومصر ألاّ يتأخّر أحد من النّاس عن إنشاء عمارة، وجدّ الأمراء والجند والكتّاب والتّجّار والعامّة في البناء، وصارت بولاق حينئذ جزيرة (a) تجاه بولاق التّكرور (١)، يزرع فيها القصب والقلقاس على ساقية تنقل الماء من النّيل حيث جامع الخطيري الآن (٢). فعمّر هناك رجل من التّجّار منظرة، وأحاط جدارا على قطعة أرض غرس فيها عدّة أشجار وتردّد إليها للنّزهة. فلمّا مات انتقلت إلى ناصر الدّين محمد بن الجوكندار، فعمّر النّاس بجانبها دورا على النّيل، وسكنوا ورغبوا في السّكنى هناك، فامتدّت المناظر على النّيل من الدّار المذكورة إلى جزيرة الفيل، وتفاخروا في إنشاء القصور العظيمة هناك، وغرسوا من ورائها البساتين العظيمة. وأنشأ القاضي (b) ابن المغربي رئيس الأطبّاء بستانا، اشتراه منه القاضي كريم الدّين ناظر الخاصّ للأمير سيف الدّين طشتمر السّاقي بنحو مائة ألف درهم فضّة.

وكثر التنافس بين النّاس في هذه النّاحية، وعمّروها حتى انتظمت العمارة في الطّول على حافة النّيل من منية السّيرج إلى موردة الحلفاء بجوار الجامع الجديد خارج مصر (٣)، وعمر في العرض على حافّة الخليج (c) الغربية من تجاه الخندق بحري القاهرة إلى منشأة المهراني (٤)، وبقيت هذه المسافة العظيمة كلّها بساتين وأحكارا عامرة بالدّور والأسواق والحمّامات والمساجد والجوامع وغيرها، وبلغت بساتين جزيرة الفيل خاصّة ما ينيف على مائة وخمسين بستانا بعد ما كانت في سنة إحدى عشرة وسبع مائة نحو العشرين بستانا (٥).


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بياض في آياصوفيا.
(c) بولاق: النيل.
(١) حاشية بخطّ المؤلّف: «محمد بن يوسف التكروري له كرامات مروية».
(٢) فيما يلي ٣١٢: ٢.
(٣) فيما يلي ٣٠٤: ٢.
(٤) الخندق. هو المنطقة المعروفة الآن بدير الملاك خلف محطة الدّمرداش والتي يخترقها شارع مصر والسودان. (فيما يلي ٤٥٤)، ومنشأة المهراني توجد جنوب القاهرة على شاطيء النيل غربي شارع القصر العيني خلف مستشفى الكلب، (وانظر فيما تقدم ١٦٥: ٢).
(٥) كانت بولاق ابتداء من عام ٧١٣ هـ/ ١٣١٣ م هي ميناء مدينة القاهرة، وكان يفصلها عنها سهل عرضه ١٢٠٠ مترا، وكانت ترسو بها المراكب التي تحمل منتجات -