وأنشأ القاضي الفاضل جلال الدّين القزويني وولده عبد اللّه دارا عظيمة على شاطئ النّيل بجزيرة الفيل عند بستان الأمير ركن الدّين بيبرس الحاجب (a) وكانت هذه الدّار أوّلا قد عمّرها القاضي شمس الدّين بن الأطروش المحتسب، فاشتراها منه القزويني وتناهى في عمارتها وطار خبرها في البلاد حتى قيل إنّه لم يعمّر في مصر عمارة أجلّ منها، ولا صرف على دار أكثر ممّا صرف عليها؛ فلمّا عزل عن القضاء أبيعت للأمير بشتاك فأخربها وباع من أنقاضها بنحو المائة ألف درهم فضّة بعد ما أخذ منها رخاما وأبوابا وشبابيك كبيرة، ونودي على زربيتها فحكرت وبنى النّاس عليها عدّة دور واتّصلت العمارة فيها إلى آخر منية السّيرج ومنها إلى خصّ الكيّالة (a)، وأنشأ الأمير عزّ الدّين الخطيري جامعه ببولاق على النّيل (١)، وأنشأ بجواره ربعين، وأنشأ القاضي شرف الدّين بن زنبور بستانا. وأنشأ القاضي فخر الدّين المعروف بالفخر ناظر الجيش بستانا، وحكر النّاس حول هذه البساتين وسكنوا هناك. ثم حفر الملك النّاصر محمد بن قلاوون «الخليج النّاصريّ» سنة خمس وعشرين وسبع مائة (٢)، فعمّر النّاس على جانبي هذا الخليج. وكان أوّل من عمّر، بعد حفر الخليج (b) المهاميزي أنشأ
= الدّلتا والسّفن المحمّلة ببضائع أوروبا، وكانت تمثّل بالنسبة لمصر السّفلى ما يمثّله ميناء الفسطاط لمصر العليا. وفي الوقت الذي احتلّ فيه الفرنسيون مصر في نهاية القرن الثامن عشر شيّد LePere - أحد أفراد الحملة - طريقا معبّدا يصل القاهرة ببولاق يبدأ قرب قنطرة المغاربة (قنطرة الكتبة فيما يلي ٥٠٢) يبلغ طوله ألف ومائتي متر، وهو الذي حلّ محلّه الآن شارع ٢٦ يوليه (فؤاد الأوّل سابقا). وحتى عام ١٨٥٨ كانت بولاق بلدة صغيرة واقعة على النيل لا تتجاوز مبانيها المنطقة التي تحدّ الآن من الشمال بشارع السّبتيّة، ومن الجنوب بشارع إسطبلات الطرق، ومن الشرق بشوارع سيدي العليمي وعلوة الحجّاج وتلّ نصر ووابور النور. وكانت الأرض الواقعة بين بولاق القديمة وبين شارع رمسيس الآن عند الخليج الناصري كلّها أرضا زراعية وبساتين، ولم تحدث فيها المباني إلاّ في زمن الخديو إسماعيل حيث أخذت تتّسع في العمارة حتى اتّصلت مبانيها بمباني القاهرة وأصبحت تمثّل قسما إداريّا من أقسام القاهرة. (المقريزي: السلوك ١١٤: ٢؛ الحسن الوزان: وصف أفريقيا ٥٨٥؛ جومار: وصف مدينة القاهرة ٣٤٠ - ٣٤٢؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٠٧: ٧ - ٣٠٨ هـ ٣؛ Hanna، N.، «Bulaq.An Endagered Historic Area of Cairo»، in Islamic Cairo، M.Meinecka (ed.)، London ١٩٨٠، pp. ١٩ - ٢٠; id.، An Urban History of Bulaq in the Mamluk and Ottoman Periods، Supplement aux An.Isl./ III، Le Caire-IFAO ١٩٨٣; Maspero & Wiet، Materiaux I، pp. ٥٦ - ٥٧؛ محمد الششتاوي: متنزهات القاهرة ٤٤ - ٤٦؛ كما يعد الباحث عادل شحاتة طايع رسالة دكتوراة بكلية الآثار جامعة القاهرة موضوعها: «حيّ بولاق - ثغر القاهرة منذ نشأته وحتى نهاية العصر العثماني - دراسة أثرية حضارية». (a-a) إضافة من مسودة الخطط. (b) بولاق: الناصري، وبياض في آياصوفيا وباريس عوضا عن الاسم الأوّل للمهاميزي. (١) فيما يلي ٣١٢: ٢. (٢) فيما يلي ٤٨١.