للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وقد سمعت في فتح القصر وجها آخر، هو أنّ المسلمين لمّا حاصروا (a) باب أليون، كان به جماعة من الرّوم وأكابر القبط ورؤسائهم وعليهم المقوقس، فقاتلوهم شهرا. فلمّا رأى القوم الجدّ من العرب على فتحه والحرص، ورأوا من صبرهم على القتال ورغبتهم فيه، خافوا أن يظهروا عليهم، فتنحّى المقوقس وجماعة من أكابر القبط، وخرجوا من باب القصر القبلي ودونهم جماعة يقاتلون العرب، فلحقوا بالجزيرة (١) - موضع الصّناعة اليوم - وأمروا بقطع الجسر وذلك في جري النّيل. ويقال إنّ الأعيرج تخلّف في الحصن بعد المقوقس، وقيل خرج معهم، فلمّا خاف فتح الحصن ركب هو وأهل القوّة والشّرف، وكانت سفنهم ملصقة بالحصن، ثم لحقوا بالمقوقس بالجزيرة (٢).

فأرسل المقوقس إلى عمرو:

«إنّكم قوم قد ولجتم في بلادنا، وألححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا، وإنّما أنتم عصبة يسيرة، وقد أظلّتكم الرّوم، وجهّزوا إليكم ومعهم من العدّة والسّلاح، وقد أحاط بكم هذا النّيل، وإنّما أنتم أسارى في أيدينا، فابعثوا إلينا رجالا منكم نسمع من كلامهم، فلعلّه أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبّون ونحبّ، وينقطع عنّا وعنكم القتال قبل أن تغشاكم جموع الرّوم، فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه، ولعلّكم أن تندموا إن كان الأمر مخالفا لطلبتكم ورجائكم، فابعثوا إلينا رجالا من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به من شيء».

فلمّا أتت عمرو بن العاص رسل المقوقس، حبسهم عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم المقوقس، فقال لأصحابه: أترون أنّهم يقتلون الرّسل، ويستحلّون ذلك في دينهم؟ وإنّما أراد عمرو بذلك أن يروا حال المسلمين. فردّ عليهم عمرو مع رسله:

«إنّه ليس بيني وبينكم إلاّ إحدى ثلاث خصال: إمّا أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد


(a) بولاق: حصروا.
(١) حاشية بخط المؤلّف: «هذه الجزيرة هي الرّوضة، والصناعة كانت في القديم بها وقد ذكرت في موضعه من هذا الكتاب».
(٢) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٦٤.