للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقتله، فمرّ عمرو وهو يريد الخروج برجل من العرب فقال له: قد دخلت، فانظر كيف تخرج.

فرجع عمرو إلى صاحب الحصن فقال له: إنّي أريد أن آتيك بنفر من أصحابي حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت. فقال العلج في نفسه: قتل جماعة أحبّ إليّ من قتل واحد. وأرسل إلى الذي كان أمره بما أمره به من قتل عمرو: ألاّ يتعرّض له، رجاء أن يأتيه بأصحابه فيقتلهم (١).

فخرج عمرو، وعبادة بن الصّامت في ناحية يصلّي وفرسه عنده، فرآه قوم من الرّوم، فخرجوا إليه وعليهم حلية وبزّة، فلمّا دنوا منه سلّم من صلاته، ووثب على فرسه، ثم حمل عليهم. فلمّا رأوه ولّوا راجعين، فاتّبعهم فجعلوا يلقون مناطقهم ومتاعهم ليشغلوه بذلك عن طلبهم، وهو لا يلتفت إليه، حتى دخلوا الحصن، ورمي عبادة من فوق الحصن بالحجارة، فرجع ولم يتعرّض لشيء ممّا طرحوا من متاعهم، حتى رجع إلى موضعه الذي كان به فاستقبل الصّلاة، وخرج الرّوم إلى متاعهم يجمعونه (٢).

فلمّا أبطأ الفتح على عمرو، قال الزّبير: إنّي أهب نفسي للّه (a) أرجو أن يفتح اللّه بذلك على المسلمين؛ فوضع سلّما (٣) إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمّام، ثم صعد فأمرهم إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعا، فما شعروا إلاّ والزّبير على رأس الحصن يكبّر ومعه السّيف، وتحامل الناس على السّلم حتى نهاهم عمرو خوفا من أن ينكسر. وكبّر الزّبير، فكبّرت الناس معه، وأجابهم المسلمون من خارج، فلم يشكّ أهل الحصن أنّ العرب قد اقتحموا جميعا، فهربوا.

وعمد الزّبير وأصحابه إلى باب الحصن ففتحوه، واقتحم المسلمون الحصن. فخاف المقوقس على نفسه ومن معه، فحينئذ سأل عمرو بن العاص الصّلح ودعاه إليه، على أن يفرض للعرب على القبط دينارين على كلّ رجل منهم، فأجابه عمرو إلى ذلك. وكان مكثهم على باب القصر حتى فتحوه سبعة أشهر (٤).


(a) بولاق: أهب اللّه نفسي.
(١) ابن سعيد: المغرب ٢٢.
(٢) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٦١ - ٦٢.
(٣) حاشية بخط المؤلّف: «هذا السّلّم أحرق بعضه ثم احترق ما بقي منه بعد سنة تسعين وثلاث مائة، قاله القضاعي».
(٤) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٦٣؛ ابن سعيد: المغرب ٢٣ - ٢٤؛ أبو المحاسن: النجوم ٩: ١ - ١٠.