والثاني هو الجزء الرّابع والثلاثون، يقول عند ذكر دار العلم:«قال الأمير المختار عزّ الملك محمد ابن عبيد اللّه بن أحمد بن إسماعيل بن عبد العزيز المسبّحي في تاريخه الكبير ومنه نقلت من الجزء الرّابع والثلاثين ما نصّه»(فيما يلي ٥٠٢).
وبمقارنة الجزء الذي وصل إلينا من الكتاب بالحوادث الموازية له عند المقريزي في «الخطط» و «اتّعاظ الحنفا»، نجد أنّ المقريزي قد نقل هذا الجزء كاملا تقريبا - فيما عدا شعر الشّعراء الذين ترجم لهم المسبّحي - في حوادث سنة ٤١٥ هـ في «اتّعاظ الحنفا» دون أن يشير إلى ذلك في أي موضع في هذه السّنة، رغم أنّه أشار إلى نقله عن المسبّحي في مواضع أخرى من الكتاب (١)، بينما نصّ على النّقل عنه من هذه السّنة في مواضع متفرّقة من «الخطط». وعند نشري للجزء الأربعين من «أخبار مصر» للمسبّحي وجدت أنّ المقريزي - وهو ينقل عن نفس النّسخة التي وصلت إلينا - يتوقّف في النّقل عند الكلمات المبهمة أو التي لم يستطع قراءتها في النّسخة. وأثار انتباه ناشر الجزء الثاني من كتاب «اتّعاظ الحنفا» أنّ حوادث سنة ٤١٥ هـ في الكتاب مسهبة، وأنّها تقع في نحو الأربعين صفحة (من هذه النّشرة)(٢)، ولكنّه لم يحقّق سبب ذلك وهو أنّ المقريزي كان تحت يده تاريخ مرتّب على الأيام لحوادث هذه السّنة من صنع المسبّحي، ولعلّ عذره في ذلك أنّ المقريزي نفسه لم يشر إلى مصدر اقتباسه في «اتّعاظ الحنفا».
ومن العجيب أنّ المقريزي - الذي ضمّن كتابيه «الخطط» و «الاتّعاظ» العديد من السّجلاّت والمكاتبات الرّسميّة - لم ينقل السّجلاّت الواردة في هذا الجزء على أهميتها، واكتفى فقط بالإشارة إلى مضمونها بطريقة موجزة. وقد نقل المقريزي في هذا المجلّد وعند ذكره حارات القاهرة في أوّل المجلّد الثالث، كلّ ما يخصّ الخمسين عاما الأولى من تاريخ الفاطميين في مصر عن المسبّحي.
واعتمد على تاريخ المسبّحي كذلك معاصر المقريزي؛ ابن حجر العسقلاني، حيث نقل عنه في كتاب «رفع الإصر عن قضاة مصر» تراجم القضاة الذين ذكرهم في كتابه وعاشوا في الفترة التي كتب فيها المسبّحي تاريخه (٣).
وكانت الحرب الأهليّة التي شهدتها مصر في أواسط القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، والتي تسلّط فيها الأتراك بقيادة ناصر الدّولة بن حمدان وحصروا فيها الخليفة المستنصر
(١) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٢٤٤: ١، ٦٠: ٢، ٦٩ (قارن إغاثة الأمة ٦٤)، ٧٢. (٢) مقدمة الجزء الثاني من اتعاظ الحنفا للمقريزي ١١. (٣) ابن حجر: رفع الإصر ٧٣، ١٤٠، ١٤٣، ٢٤٦.