للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتنبّه الأستاذ محمد كرد عليّ إلى حجم استفادة المقريزي في خططه من كتاب البلوي فكتب يقول:

«وعجيب أن تجازي الطّبيعة من يستحق جزاءها إذا خرج على قانونها.

فقد رأينا البلوي في القرن الرّابع استحلّ نقل أخبار برمّتها عن ابن الدّاية، سيّد كتّاب مصر في الدّهر الغابر، دون أن يشير إلى أبي عذرها، فاقتصّت الطّبيعة لابن الدّاية منه بعد أربعة قرون، سلّطت على البلوي المقريزيّ فغزاه في خططه وسلخ من كلامه صفحات طويلة في سيرة ابن طولون وما أقامه من أعمال العمران، فكانت واحدة بواحدة: غزا البلوي ابن الدّاية فسطا المقريزيّ على البلوي، وسلّط على من جوّز سرقة من تقدّمه من يسرقه بعد زمن ولا يرحمه» (١)!

ورغم ما في عبارات محمد كرد علي من تحامل شديد، لأنّه لم يكن أمام المؤلّفين المتقدّمين سبيل آخر لتأكيد ما يوردونه من معلومات سوى الاعتماد على المؤلّفين القدماء، فالعيب الواضح عند المقريزي أنّه تجاهل تماما ذكر اسم البلوي ولم يصرّح به في أي موضع من كتابه، واكتفى فقط عند النّقل عنه بقوله: «قال جامع السّيرة الطّولونية» (فيما تقدم ٤٦٣: ١، ٦٢٣) أو «جامع سيرة ابن طولون» (فيما يلي ١٢٣: ٢، ١٧٨، ٢٦٥، ٢٦٦، ٤٠٥، ٤٥٧).

وعند ما تناول المقريزي الحديث عن الدّولة الإخشيديّة والسّنوات الأولى للحكم الفاطمي في مصر كان مصدره الرّئيس في ذلك مؤلّفات أبي محمد الحسن بن إبراهيم بن الحسين اللّيثي المعروف بابن زولاق، المتوفى سنة ٣٨٦ هـ/ ٩٩٦ م (٢)، الذي اعتمد المقريزي على كتابيه: «سيرة محمّد بن طغج الإخشيد» و «سيرة الماذرائيين».

و «سيرة محمد بن طغج الإخشيد» أحد مصادر ابن العديم في كتابه «بغية الطّلب»، وقف عليها وقال: «وجدت في سيرة محمد بن طغج جمع الحسن بن إبراهيم بن زولاق» (٣)، ولكنّ


(١) محمد كرد علي: مقدمة سيرة أحمد بن طولون ١٢.
(٢) انظر ترجمته عند، ياقوت الحموي: معجم الأدباء ٢٢٥: ٧ - ٢٣٠؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان ٩١: ٢ - ٩٣؛ الصفدي: الوافي بالوفيات ٣٧٠: ١١؛ المقريزي: المقفى الكبير ٢٨٤: ٣ - ٢٨٦؛ ابن حجر: لسان الميزان (حيدر آباد) ١٩١: ٢؛ Gottheil، R.، «al-Hasan ibn Ibr?him ibn Zulak»، JAOS ٢٨ (١٩٠٧)، pp. ٢٥٤ - ٧٠; Sezgin، F.، GASI، ٣٥٩; El ٢ Ibn Zulak III، p. ١٠٠٣.
(٣) ابن العديم: بغية الطلب ٢٤٠٨: ٥.