للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم وقع التّأريخ من الهجرة النّبويّة، فعن سعيد بن المسيّب قال: جمع عمر بن الخطّاب الناس فسألهم: من أي يوم يكتب التأريخ؟ فقال عليّ بن أبي طالب: من يوم هاجر رسول اللّه وترك أرض الشّرك، ففعله عمر (١).

وعن سهل بن سعد السّاعديّ قال: أخطأ الناس في العدد، ما عدّوا من مبعثه ولا من وفاته، إنّما عدّوا من مقدمه المدينة (٢).

وعن ابن عبّاس قال: كان التأريخ من السّنة التي قدم فيها رسول اللّه المدينة (٣).

وقال قرّة بن خالد عن محمد كان عند عمر بن الخطّاب عامل جاء من اليمن فقال لعمر: أما تؤرّخون؟ تكتبون في سنة كذا وكذا من شهر كذا وكذا. فأراد عمر والناس أن يكتبوا من مبعث رسول اللّه ، ثم قالوا من عند وفاته، ثم أرادوا أن يكون ذلك من الهجرة. ثم قالوا: من أي شهر؟ فأرادوا أن يكون من رمضان، ثم بدا لهم فقالوا من المحرّم (٤).

وقال ميمون بن مهران: رفع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب صكّ ومحله شعبان، فقال: أيّ شعبان هو؟ أشعبان الذي نحن فيه أو الآتي (٥)؟ ثم جمع وجوه الصّحابة فقال: إنّ الأموال قد كثرت، وما قسمنا منها غير موقّت، فكيف التّوصّل إلى ما يضبط به ذلك؟ فقالوا: يجب أن يعرف ذلك من رسوم الفرس. فعندها استحضر عمر الهرمزان وسأله عن ذلك؛ فقال: إنّ لنا حسابا نسمّيه «ماه روز» معناه حساب الشّهور والأيام؛ فعرّبوا الكلمة، وقالوا مؤرّخ، ثم جعلوه اسم التأريخ واستعملوه (٦). ثم طلبوا وقتا يجعلونه أوّلا لتأريخ دولة الإسلام، فاتّفقوا على أن يكون المبدأ من سنة الهجرة.

وكانت الهجرة النّبويّة من مكّة إلى المدينة وقد تصرّم من شهور السنة وأيّامها المحرّم وصفر وأيام من ربيع الأوّل. فلمّا عزموا على تأسيس الهجرة، رجعوا القهقرى ثمانية وستين يوما، وجعلوا التأريخ من أوّل محرّم هذه السّنة. ثم أحصوا من أوّل يوم في المحرّم إلى آخر عمر رسول اللّه ، فكان عشر سنين وشهرين.


(١) الطبري: تاريخ الرسل والملوك ٣٩١: ٢.
(٢) نفسه ٣٨٩: ٢.
(٣) نفسه ٣٨٩: ٢.
(٤) نفسه ٣٨٩: ٢.
(٥) نفسه ٣٨٨: ٢ - ٣٨٩.
(٦) انظر فيما تقدم ٧٠٠.