للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل إنّ النّاسئ الأوّل نسأ المحرّم وجعله كبسا، وأخّر المحرّم إلى صفر، وصفر إلى ربيع الأوّل، وكذا بقيّة الشهور. فوقع لهم في تلك السنة عاشر المحرّم، وجعل تلك السنة ثلاثة عشر شهرا، ونقل الحجّ بعد كلّ ثلاث سنين شهرا. فمضى على ذلك مائتان وعشر سنين، وكان انقضاؤها سنة حجّة الوداع.

وكان وقوع الحجّ في السّنة التاسعة من الهجرة عاشر ذي القعدة، وهي السّنة التي حجّ فيها أبو بكر الصّدّيق بالنّاس.

ثم حجّ رسول اللّه في السّنة العاشرة حجّة الوداع، لوقوع الحجّ فيها عاشر ذي الحجّة كما كان في عهد إبراهيم وإسماعيل، ولذلك قال في حجّته هذه: «إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّماوات والأرض»، يعني رجوع الحجّ والشّهور إلى الوضع (١).

وأنزل اللّه تعالى إبطال النّسيء بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اَلنَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي اَلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اَللّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اَللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ﴾ [الآية ٣٧ سورة التوبة]، فبطل ما أحدثته الجاهليّة من النّسيء، واستمرّ وقوع الحجّ والصّوم برؤية الأهلّة، وللّه الحمد.

وكانت العرب لها تواريخ معروفة عندها قد بادت، فممّا كانت تؤرّخ به أنّ كنانة أرّخت من موت كعب بن لؤيّ، حتى كان عام الفيل أرّخوا (a) به، وهو عام مولد رسول اللّه . وكان بين كعب بن لؤيّ والفيل خمس مائة وعشرون سنة، وكان بين الفيل وبين الفجار أربعون سنة.

ثم عدّوا من الفجار إلى وفاة هشام بن المغيرة فكان ستّ سنين، ثم عدّوا من وفاة هشام بن المغيرة إلى بنيان الكعبة فكان تسع سنين، ثم كان بين بنائها وبين هجرة رسول اللّه خمس عشرة سنة.


(a) بولاق: فأرخوا.
(١) القلقشندي: صبح الأعشى ٣٩٧: ٢.