وأمّا قدماء القبط وأهل فارس في الإسلام وأهل خوارزم والصّغد (a)، فتركوا الكسور، أعني الرّبع وما يتبعه أصلا (١).
وأمّا العبرانيّون وجميع بني إسرائيل والصّابئون والحرّانيّون، فإنّهم أخذوا السّنة من مسير الشّمس وشهورها من مسير القمر، لتكون أعيادهم وصيامهم على حساب قمريّ، وتكون مع ذلك حافظة لأوقاتها من السّنة، فكبسوا كلّ تسع عشرة سنة قمريّة بسبعة (b) أشهر. ووافقهم النّصارى في صومهم وبعض أعيادهم، لأنّ مدار أمرهم على فصح اليهود، وخالفوهم في الشّهور إلى مذهب الرّوم والسّريانيين (٢).
وكانت العرب في جاهليتها (c) تنظر إلى فضل ما بين سنتهم وسنة القمر، وهو عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمس ساعة، فيلحقون ذلك بها شهرا كلّما تمّ منها ما يستوفي أيام شهر، ولكنّهم كانوا يعملون على أنّه عشرة أيام وعشرون ساعة، وكان يتولّى ذلك النّسأة من بني كنانة المعروفون بالقلامس - واحدهم قلمّس، وهو البحر الغزير - وهم (d) أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أميّة بن قلع [بن عبّاد بن قلع بن خذيفة وكانوا كلهم نسأة] (e)؛ وأوّل من فعل ذلك منهم حذيفة بن عبد فقيم، وآخر من فعله أبو ثمامة (٣).
وأخذ العرب الكبس من اليهود قبل مجيء دين الإسلام بنحو المائتي سنة، وكانوا يكبسون في كلّ أربع وعشرين سنة تسعة أشهر، حتى تبقى أشهر السّنة ثابتة مع الأزمنة على حالة واحدة، لا تتأخّر عن أوقاتها ولا تتقدّم؛ إلى أن حجّ رسول اللّه ﷺ[حجّة الوداع] (e)، وأنزل اللّه تعالى عليه: ﴿إِنَّمَا اَلنَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي اَلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اَللّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اَللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاَللّهُ لا يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْكافِرِينَ﴾ [الآية ٣٧ سورة التوبة]، فخطب ﷺ، وقال:«إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض» فبطل النّسيء، وزالت شهور العرب عمّا كانت عليه، وصارت أسماؤها غير دالّة على معانيها (٤).
(a) بولاق: الصفد. (b) بولاق: ستة. (c) بولاق: جهالتها. (d) بولاق: وهو. (e) زيادة من البيروني. (١) البيروني: الآثار الباقية ١١ نقلا عن كتاب المجسطي. (٢) نفسه ١١. (٣) نفسه ١١ - ١٢. (٤) نفسه ١٢، وفيما يلي ٧٦٦ - ٧٦٨.