للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا أهل الهند، فإنّهم يستعملون رؤية الأهلة في شهورهم، ويكبسون كلّ تسع مائة سنة وستة (a) وسبعين يوما بشهر قمريّ، ويجعلون ابتداء تأريخهم اتّفاق اجتماع في أوّل دقيقة من برج ما، وأكثر طلبهم لهذا الاجتماع أن يتّفق في إحدى نقطتي الاعتدالين، ويسمّون السّنة الكبيسة بذماسة (b) (١).

فهذه آراء الخليقة في السّنة.

وأمّا اليّوم فإنّه عبارة عن عود الشّمس بدوران الكلّ إلى دائرة قد فرضت. وقد اختلف فيه:

فجعله العرب من غروب الشّمس إلى غروبها من الغدّ. ومن أجل أنّ شهور العرب مبنيّة على مسير القمر، وأوائلها مقيّدة برؤية الهلال - والهلال يرى لدن غروب الشّمس - صارت اللّيلة عندهم قبل النّهار (٢).

وعند الفرس والرّوم اليوم بليلته من طلوع الشّمس بارزة من أفق المشرق إلى وقت طلوعها من الغد، فصار النّهار عندهم قبل اللّيل. واحتجّوا على قولهم بأنّ النّور وجود والظّلمة عدم، والحركة تغلب على السّكون، لأنّها وجود لا عدم وحياة لا موت، والسّماء أفضل من الأرض، والعامل الشّاب أصحّ، والماء الجاري لا يقبل عفونة كالرّاكد (٣).

واحتجّ الآخرون بأنّ الظّلمة أقدم من النّور والنّور طارئ عليها فالأقدم يبدأ به، وغلّبوا السّكون على الحركة بإضافة الراحة والدّعة إليه، وقالوا: الحركة إنّما هي الحاجة، والضّرورة والتّعب تنتجه الحركة، والسّكون إذا دام في الاستقصاءات مدّة لم يولّد فسادا، فإذا دامت الحركة في الاستقصاءات واستحكمت أفسدت، وذلك كالزّلازل والعواصف والأمواج وشبهها (٤).

وعند أصحاب التّنجيم أنّ اليوم بليلته من موافاة الشّمس فلك نصف النّهار إلى موافاتها إيّاه في الغد، وذلك من وقت الظّهر إلى وقت العصر، وبنوا على ذلك حساب أزياجهم. وبعضهم ابتدأ باليوم من نصف اللّيل، وهو صاحب زيج شهرياران الشاه (c) (٥)، وهذا هو حدّ اليوم على الإطلاق


(a) ساقطة من بولاق.
(b) بولاق: بذمات.
(c) بولاق: شهر بازار شاه.
(١) البيروني: الآثار الباقية ١٢ - ١٣.
(٢) نفسه ٥.
(٣) نفسه ٦.
(٤) نفسه ٦ وورد فيه هذا الخبر سابقا على الخبر المتقدم.
(٥) راجع عن زيج شهرياران الشاه، نلينو: علم الفلك تاريخه عند العرب في القرون الوسطى ١٨٣ - ١٨٦.