المعزّ لدين اللّه إلى مصر). وسجّل ابن سليم المعلومات الغنيّة التي جمعها عن النّوبة بعد عودته إلى مصر ودوّنها في كتابه «أخبار النّوبة» الذي أهداه إلى الخليفة الفاطمي الثاني العزيز باللّه (٣٦٥ - ٣٨٦ هـ/ ٩٧٥ - ٩٩٦ م).
وكتاب ابن سليم، الذي لا نعرفه إلاّ من خلال ما نقله عنه كلّ من المقريزي وابن إياس والمنوفي، يشتمل على وصف دقيق لكلّ ما شاهده في هذه البلاد؛ ويمتاز وصفه للنّيل بالكثير من الدّقّة، ويوشك هذا الوصف أن يكون هو الوصف الوحيد في الأدب العربي في العصر الإسلامي الذي يبيّن لنا المدى الذي وصلت إليه معرفة العرب بالمجرى الأعلى للنّيل. ويبدو أنّ كتاب ابن سليم لم ينتبه إليه أحد قبل المقريزي وكان هو أوّل المستفيدين من مادّته، فوصف الإدريسي صاحب «نزهة المشتاق» لمجرى النّيل الأعلى في منتصف القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، يدلّ دلالة واضحة على مدى النقص الذي كان يعانيه ذلك المؤلّف في المصادر التي تحت يده والتي لم تكن إلى جانب هذا واضحة له على الدّوام (١).
وفي القسم الذي عقده المقريزي للحديث عن «أخلاق أهل مصر وطبائعهم وأمزجتهم» نقل المقريزي كلّ ما ذكره، حول هذا الموضوع، أبو الحسن عليّ بن رضوان الطّبيب رئيس أطبّاء مصر المتوفي سنة ٤٥٣ هـ/ ١٠٦١ م في كتابه «دفع مضار الأبدان بأرض مصر»(٢)، وهو من أوائل الكتب الطّبيّة التي تناولت موضوع الأمراض المتوطّنة (فيما يلي ١١٢ - ١٢٥). ونقل المقريزي بقيّة كتاب ابن رضوان عند ذكره ما قيل في وصف مدينتي الفسطاط والقاهرة في المجلد الثاني (٣٣٩: ١ - ٣٤٠، ٣٦٥ - ٣٦٦). ونقل المقريزي كذلك عن كتاب آخر لابن رضوان هو «شرح كتاب الأربع لبطلميوس» أو «المقالات الأربع لبطلميوس» Quadripartitum de Ptolemee (فيما يلي ١٢٦).
واستعان المقريزي كذلك بما جاء في «الرّسالة المصرية» لأبي الصّلت أميّة بن عبد العزيز الأندلسي المتوفي سنة ٥٢٩ هـ/ ١١٣٥ م، والتي سأفصّل الحديث عنها بعد قليل.
ولعلّ أكثر أقسام الجزء الأوّل من أجزاء الكتاب السبعة قيمة، القسم الذي تناول فيه المقريزي الحديث عن نظام قبالة الأراضي وجمع الخراج ونظام الضّرائب ونظام الإقطاع، وما طرأ من تطوّر
(١) كراتشكوفسكي: تاريخ الأدب الجغرافي ٢١٠. (٢) انظر فيما يلي ١١٢، ونشر كتاب «دفع مضار الأبدان»، الدكتور عبد المجيد دياب وصدر عن مكتبة ابن قتيبة في الكويت سنة ١٩٩٥.