للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تناول تاريخ هذه الفترة السّابقة على الفتح الإسلامي لمصر عدد من المؤلّفين أقدمهم ابن عبد الحكم المتوفى سنة ٢٥٧ هـ/ ٨٧١ م في كتاب «فتوح مصر»، ولكن الغريب أنّه لا يقدّم لنا أيّة معلومات عن الفترة السّابقة على الطّوفان. ومن ناحية أخرى فإنّه بعد أن يقدّم تفاصيل محدودة عن أبناء نوح الذين استقرّوا في وادي النّيل، ينتقل مرّة واحدة إلى ذكر فرعون يوسف وفرعون موسى ليتمّ حديثه بطريقة جافّة بغزو بختنصّر، وهو المصدر الذي ارتبط به المسعودي وعلى الأخصّ في «مروج الذّهب»، كما اعتمد عليه المقريزي بكثرة فيما يخص هذه الأحداث.

وكما سبق أن ذكرت فإنّ المصدر الأهمّ والأغنى الذي اعتمد عليه المقريزي فيما يخص كلّ الفترة السابقة على الفتح العربي لمصر، كتاب «أخبار مصر وعجائبها» لإبراهيم بن وصيف شاه الذي يصفه ب «الأستاذ» وقال عنه في أكثر من موضع: «وابن وصيف شاه أعرف بأخبار مصر» (١).

وإذا كان ابن وصيف شاه يعرف أسماء جميع ملوك مصر قبل وبعد الطّوفان، فيبدو، من خلال ما ذكره المقريزي، أنّ روايته تنتهي بذكر فرعون موسى، حيث استعان المقريزي مرّة أخرى بابن عبد الحكم بالنّسبة للفترة التالية (٢)، وعلى كلّ الأحوال فإنّ النّويري الذي اعتمد أيضا على ابن وصيف شاه، قاطع في ذلك يقول: «ولم يذكر من أخبار ملوك مصر بعد غرق فرعون [موسى] شيئا ولا ذكر من ملك بعده» ثم أضاف «وقد أشار المسعودي في «مروج الذّهب» إلى نبذة من أخبار من ملك مصر بعد غرق فرعون نحن نذكرها» (٣).

ويعدّ النّويري، شهاب الدّين أحمد بن عبد الوهّاب المتوفى سنة ٧٣٣ هـ/ ١٣٣٣ م المؤرّخ الوحيد الذي نقل بإطّراد كتاب ابن وصيف شاه في الفصل الذي خصّصه لذكر «أخبار مصر ومن ملكها من الملوك قبل الطّوفان وبعده» والذي استغرق من صفحة ١ إلى ١٣٧ من الجزء الخامس عشر من كتابه «نهاية الأرب في فنون الأدب»، ولكنّه لم ينقل مباشرة عن ابن وصيف شاه، وإنّما عن شخص يدعى إبراهيم بن القاسم الكاتب في «مختصر كتاب العجائب الكبير» الذي ألّفه إبراهيم بن وصيف شاه (٤).

واعتمد المقريزي عند ذكره لبقيّة أسماء ملوك مصر بعد فرعون موسى اعتبارا من الأسرة العشرين (فيما يلي ٣٩٠ - ٣٩١) على قائمة مانيتون Manetho من خلال نصّ يوسيبيوس القيصري


(١) فيما يلي ٤٠٧، ٥٧٤.
(٢) فيما يلي ٣٨٧.
(٣) النويري: نهاية الأرب ١٣٧: ١٥.
(٤) نفسه ١: ١٥، ١٣٧.