ثم إنّ الجروي سار إلى الإسكندرية سيره الرابع وحاصرها، ونصب عليها المجانيق سبعة أشهر، من أوّل شعبان سنة أربع ومائتين إلى سلخ صفر سنة خمس، فأصاب الجروي فلقة من حجر منجنيقه، فمات سلخ صفر سنة خمس ومائتين (١).
وقام من بعده ابنه عليّ، فلم تزل الفتن بالأندلسيين في الإسكندرية متّصلة، إلى أن قدم عبد اللّه بن طاهر إلى مصر من قبل أمير المؤمنين المأمون، وأخرج عبيد اللّه بن السّريّ من مصر، وسار إلى الإسكندرية في قوّاد العجم من أهل خراسان، مستهل صفر سنة اثنتي عشرة ومائتين، فحاصرها بضع عشرة ليلة حتى خرج إليه أهلها بأمان. وصالحه الأندلسيون على أن يسيّرهم من الإسكندرية حيث أحبّوا، على ألاّ يخرجوا في مراكبهم أحدا من أهل مصر، ولا عبدا ولا آبقا، فإن فعلوا فقد حلّت له دماؤهم، ونكت عهده وتوجّهوا. فبعث ابن طاهر من يفتّش عليهم مراكبهم، فوجدوا فيها جمعا من الذي اشترط عليهم ألاّ يخرجوهم، فأمر بإحراق مراكبهم، فسألوه أن يردّهم إلى شرطهم، ففعل (٢).
وساروا إلى جزيرة إقريطش وملكوها، وكان الأمير معهم أبو حفص عمر بن عيسى، ثم ملكها ولده من بعده، وعمّرها الأندلسيون إلى أن غزاها الرّوم سنة خمس وأربعين وثلاث مائة، وملكتها (a) بعد حصار طويل (٣).
وولي على الإسكندرية إلياس بن أسد بن سامان، ورجع إلى الفسطاط في جمادى الآخرة، ثم سار إلى العراق.
ولمّا انتقض أسفل الأرض في جمادى الأولى سنة ستّ عشرة ومائتين، وحاربهم الأفشين ومعه عيسى بن منصور الرّافقي أمير مصر، وبعث عبد اللّه بن يزيد بن مزيد الشّيباني إلى الغربيّة، فانهزم إلى الإسكندرية، واستجاشت عليه بنو مدلج، وحصروه في شوّال. فسار الأفشين وأوقع
(a) بولاق: ملكها. (١) الكندي: ولاة مصر ١٩٦. (٢) نفسه ٢٠٧. (٣) حول هذا الموضوع انظر، إبراهيم أحمد العدوي: «إقريطش بين المسلمين والبيزنطيين في القرن التاسع الميلادي»، المجلة التاريخية المصرية ٣ (أكتوبر ١٩٥٠)، ٥٣ - ٦٨.