للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال اللّيث: مات هرقل في سنة عشرين، وفيها فتحت قيساريّة الشّام.

قال: واستأسدت العرب عند ذلك، وألحّت بالقتال على أهل الإسكندرية، فقاتلوهم قتالا شديدا، وخرج طرف من الرّوم من باب حصن الإسكندرية، فحملوا على الناس فقتلوا رجلا من مهرة، واحتزّوا رأسه ومضوا به، فجعل المهريّون يتغضّبون ويقولون: لا ندفنه إلاّ برأسه. فقال عمرو: تتغضّبون كأنّكم تتغضّبون على من يبالي بغضبكم، احملوا على القوم إذا خرجوا فاقتلوا منهم رجلا، ثم ارموا برأسه يرمونكم برأس صاحبكم. فخرجت الرّوم إليهم فاقتتلوا، فقتل من الرّوم رجل من بطارقتهم، فاحتزّوا رأسه ورموا به الرّوم، فرمت الرّوم برأس المهري إليهم، فقال:

دونكم الآن فادفنوا صاحبكم (١).

وكان عمرو يقول: ثلاث قبائل من مضر (a): أمّا مهرة فقوم يقتلون ولا يقتلون، وأمّا غافق فقوم يقتلون ولا يقتلون، وأمّا بلي فأكثرها رجلا صحب النّبيّ ، وأفضلها فارسا (٢).

وقال رجل لعمرو: لو جعلت المنجنيق ورميتهم به لهدم منه (b) حائطهم؛ فقال عمرو:

أتستطيع أن تنبّئ (c) مقامك من الصّف. وقيل له: إنّ العدوّ قد غشوك، ونحن نخاف على رائطة - يريدون امرأته - فقال: إذن يتّخذوا أرياطا كثيرة (٣).

ولمّا استحرّ القتال [بينهم] (d) بارز رجل من الرّوم مسلمة بن مخلد، فصرعه الرّوميّ وألقاه عن فرسه، وهوى إليه ليقتله حتى حماه رجل من أصحابه - وكان مسلمة لا يقاوم لسبيله (b) ولكنها مقادير - ففرحت بذلك الرّوم، وشقّ ذلك (b) على المسلمين. وغضب عمرو بن العاص لذلك، وكان مسلمة كثير اللّحم ثقيل البدن، فقال عمرو عند ذلك: ما بال الرّجل المستّه الذي يشبه النّساء، يتعرّض مداخل الرّجال ويتشبّه بهم. فغضب من ذلك مسلمة ولم يراجعه.

ثم اشتدّ القتال حتى اقتحموا حصن الإسكندرية، فقاتلهم العرب في الحصن، ثم جاشت عليهم الرّوم حتى أخرجوهم جميعا من الحصن، إلاّ أربعة نفر تفرّقوا في الحصن وأغلقوا عليهم باب الحصن، أحدهم عمرو بن العاص والآخر مسلمة، ولم نحفظ الآخرين، وحالوا بينهم وبين


(a) بولاق: مصر.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: يفتي.
(d) زيادة من فتوح مصر.
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٧٦.
(٢) نفسه ٧٦ - ٧٧.
(٣) نفسه ٧٧.