أصحابهم، ولا تدري الرّوم من هم. فلمّا رأى ذلك عمرو بن العاص وأصحابه، التجأوا إلى ديماس من حمّاماتهم، فدخلوا فيه فاحترزوا به. فأمروا روميّا أن يكلّمهم بالعربيّة، فقال لهم:
إنّكم قد صرتم بأيدينا/ أسارى، فاستأسروا ولا تقتلوا أنفسكم، فامتنعوا عليهم. ثم قال لهم: إنّ في أيدي أصحابكم منّا رجالا أسروهم، ونحن نعطيكم العهود نفادي بكم أصحابنا ولا نقتلكم، فأبوا عليهم. فلمّا رأى ذلك الرّومي منهم قال لهم: هل لكم إلى خصلة وهي نصف، فإن غلب صاحبنا صاحبكم استأسرتم لنا وأمكنتمونا من أنفسكم، وإن غلب صاحبكم صاحبنا خلّينا سبيلكم إلى أصحابكم. فرضوا بذلك، وتعاهدوا عليه، وعمرو ومسلمة وصاحباهما في الحصن في الدّيماس.
فتداعوا إلى البراز، فبرز رجل من الرّوم - وقد وثقت الرّوم بنجدته وشدّته - وقالوا: يبرز رجل منكم لصاحبنا. فأراد عمرو أن يبرز، فمنعه مسلمة وقال: ما هذا؟ تخطئ مرّتين: تشذّ من أصحابك وأنت أمير، وإنّما قوامهم بك وقلوبهم معلّقة نحوك، لا يدرون ما أمرك ولا ترضى حتى نبارز وتتعرّض للقتل، فإن قتلت كان ذلك بلاء على أصحابك، مكانك وأنا أكفيك إن شاء اللّه تعالى. فقال عمرو: دونك فربّما فرّجها اللّه بك.
فبرز مسلمة والرّومي، فتجاولا ساعة، ثم أعانه اللّه عليه فقتله؛ فكرّ مسلمة وأصحابه، ووفّى لهم الرّوم بما عاهدوهم عليه، ففتحوا لهم باب الحصن فخرجوا، ولا يدري الرّوم أنّ أمير القوم فيهم حتى بلغهم بعد ذلك فأسفوا على ذلك، وأكلوا أيديهم تغيّظا على ما فاتهم. فلمّا خرجوا استحيا عمرو ممّا كان قال لمسلمة حين غضب، فقال عمرو عند ذلك: استغفر لي ما كنت قلت لك، فاستغفر له.
وقال عمرو: ما أفحشت قطّ إلاّ ثلاث مرار: مرّتين في الجاهلية، وهذه الثالثة. وما منهم مرّة إلاّ وقد ندمت، وما استحييت من واحدة منهن أشدّ ممّا استحييت ممّا قلت لك. وواللّه إنّي لأرجو ألاّ أعود إلى الرابعة ما بقيت (١).
قال: وأقام عمرو محاصر الإسكندرية أشهرا. فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب ﵁ قال: ما أبطأوا بالفتح إلاّ لمّا أحدثوا. وكتب إلى عمرو بن العاص:
«أمّا بعد، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر، إنّكم تقاتلونهم منذ