قال: ولم يكن في بلغار حمّام تسعهم إلاّ حمّام واحدة واسعة الأبواب (١). انتهى.
وقد حدّثني الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن محمد الفرّياني (a) (٢)، عن أبيه، أنّه شاهد قبرا احتفر بمدينة قرطاجنّة من إفريقية، فإذا جثّة رجل قدر عظم رأسه كثورين عظيمين، ووجد معه لوح مكتوب بالقلم المسند، وهو قلم عاد وحروفه مقطّعة، ما نصّه:
«أنا كوش بن كنعان ابن الملوك من آل عاد، ملكت بهذه الأرض ألف مدينة، وبنيت بها على ألف بكر، وركبت من الخيل العتاق سبعة آلاف حمر وصفر وشهب وبيض ودهم، ثم لم يغن عنّي ذلك شيئا، وجاءني صائح فصاح بي صيحة أخرجتني من الدّنيا، فمن كان عاقلا ممّن جاء بعدي فليعتبر بي، وأنشد:
[الرجز]
يا واقفا … برسم ربع قد وهى
قف واعتبر … إن كنت من أهل النّهى (b)
بالأمس كنّا فوقها … واليّوم صرنا تحتها
فلكلّ حدّ غاية … ولكلّ أمر منتهى»
قال: فأمر السّلطان أبو بكر بن يحيى الحفصي صاحب تونس بطمّه، فطمّ القبر.
قال مؤلّفه: وأنا أدركت شيئا من ذلك، وهو أنّه ترافع في بعض الأيام طائفة من الحجّارين إلى السّلطان الملك الظّاهر برقوق أعوام بضع وتسعين وسبع مائة، وقد اختلفوا على مال وجدوه بجبل
(a) بولاق: الفريابي. (b) في بولاق: إضافة شطر غير موجودة في النسخ المخطوطة فخل بوزن الرجز. (١) أبو حامد الغرناطي: تحفة الألباب ١٢٤، ١٢٩، ١٣١ - ١٣٣. (٢) الحافظ شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن محمد اللّخمي الفرّياني - بضم الفاء وراء مشدّدة مكسورة ثم تحتانية وآخره نون - نسبة لفرّيانة إحدى مدائن إفريقية قرب سفاقس، مولده بتونس سنة ٧٨٠ هـ وارتحل إلى مصر سنة ٨١٢ هـ فحج ثم قطن القاهرة، وتردّد بينها وبين بلاد الشام. قال السخاوي: «وقد كان المقريزي يعظّمه جدّا ووصفه بالشيخ الحافظ الرّحّال ذي الكنيتين، وأكثر من الاعتماد عليه فيما كان يخبره به ممّا يتعلّق بالتاريخ ونحوه من غير إفصاح بالنقل عنه على عادته»، وذكر أنه ترجمه في عقوده باختصار. وكانت وفاته في صفر سنة ٨٦٠ هـ (السخاوي: الضوء اللامع ٦٧: ٧ - ٧٠). وواضح تحامل السخاوي - كعادته - على المقريزي حيث نسب المقريزي ما أفاده به الحافظ الفرّياني إليه، كما هو واضح بالنص الذي أمامنا، وانظر كذلك فيما يلي ٥١١، ٦٤٦؛ ٢٠٩: ٢، ٣٠٢.