المقطّم؛ وهو أنّهم كانوا يقطعون الحجارة من مغار فيما يلي قلعة الجبل من بحريّها، فانكشف لهم حجر أسود عليه كتابة، فاجتمعوا على قطع ما بين يدي هذا الحجر طمعا في وجود مال، فانتهى بهم القطع إلى عمود عظيم قائم في قلب الجبل، فلعجلتهم أقبلوا بمعاولهم عليه حتى تكسّر قطعا، فإذا/ هو مجوّف وإنسان قائم على قدميه بطوله. وتناثر لهم من جهة رأسه دنانير كثيرة، فاقتسموها وتنافسوا في قسمتها، واختلفوا حتى اشتهر أمرهم وترافعوا إلى السّلطان.
فبعث من كشف المغار، فوجد الحجر والعمود وقد تكسّر، فأخذ منهم ما وجد بأيديهم من الدّنانير، ولم يجد من يعرف ما قد كتب على الحجر. وتسامع الناس بالخبر، فأقبلوا إلى المغار وعبثوا برمّة الميّت.
فأخبرني من شاهد سنّا من أسنان هذا الميّت أنّها سوداء بقدر الباذنجانة، وأنّ عظم ساقه فيما بين قدمه إلى ركبته خمسة أذرع، فيجيء من هذا حساب طوله عشرين ذراعا وأزيد، ودماغ سنّ واحدة من أسنانه في قدر الباذنجانة ما هو إلاّ كالقبّة الكبيرة.
وأخبرني السّيّد الشّريف قاضي القضاة بدمشق شهاب الدين أحمد بن عليّ بن إبراهيم الحسيني، المعروف بابن عدنان وبابن أبي الجنّ (١)، أنّه وقف في سنة أربع عشرة وثمان مائة، بمقبرة باب الصّغير من دمشق، على قبر ليدفن فيه ميّت لهم، فلمّا تهيّأ القبر ولم يبق إلاّ أن يدلّى فيه الميّت، انخسف وخرج من الخسف ذباب كثير كبار زرق الألوان حتى كادت تظلّهم. فنزل الحفّار في الخسف، فإذا قبر طوله اثنان وعشرون ذراعا، وفيه بطوله ميّت قد صار كالرّماد.
وأخبرني أيضا أنّه شاهد بهذه المقبرة ضرس إنسان وله ثلاث شعب وقد سقطت منه قطعة، وهو في قدر البطّيخة، وأنّه وزن بحضرته فبلغ رطلين وتسع أواقي بالرّطل الشّامي، وأنّ القطعة التي انكسرت منه نحو أوقيتين بالشّامي، فيكون على هذا زنة هذا الضّرس نحو اثني عشر رطلا بالمصري.
(١) شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني المنقري الدمشقي الشافعي كاتب السر الشريف بديار مصر، توفي بالطاعون سنة ٨٣٣ هـ، ودفن في تربة الأشرف عند السيد حسن بن عجلان، بعد الصلاة عليه بباب الوزير في محفل شهده السلطان (ابن حجر: إنباء الغمر ٤٤١: ٣ - ٤٤٢، أبو المحاسن: المنهل الصافي: ٤٠٦: ١ - ٤٠٧؛ النجوم الزاهرة ١٦٤: ١٥؛ السخاوي: الضوء اللامع ٥: ٢ - ٦).