قال عبد اللّه بن عبّاس ﵄: كان أطولهم مائة ذراع، وأقصرهم ستين ذراعا.
وهذه الزيادة كانت على خلق آبائهم، وقيل على خلق قوم نوح. وقال وهب بن منبّه: كان رأس أحدهم مثل قبّة عظيمة، وكانت عين الرّجل منهم تفرخ فيها السّباع، وكذلك مناخرهم.
وروى شهر بن حوشب، عن أبي هريرة ﵁ أنّه قال: إن كان الرّجل من قوم عاد ليحمل المصراعين، لو اجتمع عليه خمس مائة من هذه الأمّة لم يطيقوه؛ وإن كان أحدهم ليغمز بقدمه الأرض فيدخل فيها.
وروى عبد اللّه بن لهيعة، عن يزيد بن عمرو المعافري، عن ابن بجرة قال: استظلّ سبعون رجلا من قوم موسى ﵇ في قحف رجل من العماليق. وعن زيد بن أسلم: بلغني أنّ الضّبعة وأولادها ربّين في حجاج عين رجل من العماليق.
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ * * إِرَمَ ذاتِ اَلْعِمادِ * * اَلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي اَلْبِلادِ﴾ [الآيات ٥ - ٧ سورة الفجر].
قال المبرّد: وقولها - يعني الخنساء -: رفيع العماد، إنّما تريد الطّول. يقال رجل معمّد: يريد طويلا، ومنه قوله تعالى: ﴿إِرَمَ ذاتِ/ اَلْعِمادِ﴾، أي الطّوال.
وقال البغويّ: سمّوا ذات العماد، لأنّهم كانوا أهل عمد سيّارة، وهو قول قتادة ومجاهد والكلبي، ورواية عطاء عن ابن عبّاس. وقال بعضهم: سمّوا ذات العماد، لطول قاماتهم، قال ابن عبّاس: يعني طولهم مثل العماد. قال مقاتل: كان طول أحدهم اثني عشر ذراعا.
وفي «كشّاف» الزّمخشري: ﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها﴾: (مثل عاد) في البلاد عظم أجرام وقوّة، كان طول الرجل منهم أربع مائة ذراع، وكان يأتي الصّخرة العظيمة فيحملها فيلقيها على الحيّ فيهلكهم (١).
وقد ذكر غير واحد أنّه وجد في خلافة المقتدر باللّه أبي الفضل جعفر بن المعتضد، كنز بمصر فيه ضلع إنسان طوله أربعة عشر شبرا في عرض ثلاثة أشبار.
واعلم أنّ أعين بني آدم ضيّقة، وقد نشأت نفوسهم في محلّ صغير، فإذا حدّث القوم بما يتجاوز مقدار عقولهم أو مبلغ أجسامهم - ممّا ليس له عندهم أصل يقيسونه عليه إلاّ ما يشاهدونه أو يألفونه - عجّلوا إلى الارتياب فيه، وسارعوا إلى الشّكّ في الخبر عنه، إلاّ من كان معه علم وفهم، فإنّه يفحص عمّا يبلغه من ذلك حتى يجد دليلا على قبوله أو ردّه.
(١) الزمخشري: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، القاهرة ١٣٤٤ هـ/ ١٩٢٥، ٥٤٢: ٢.