المؤن والآلات والرّجال. فقال: ائتوني بثورين مطيقين، وعجله كبيرة، فللحال أتي بذلك.
فمضى إلى المقابر القديمة، وحفر منها قبرا أخرج منه جمجمة عظيمة، رفعها عدّة من الرّجال على العجلة، فما جرّها الثّوران، مع قوّتهما، إلاّ بعد جهد وعناء. فلمّا وقف بها بين يدي الملك، قال: أصلح اللّه سيّدنا، إنّ أتيتني بقوم رؤوسهم مثل هذا الرّأس، عملت لك مثل هذا القصر. فتيقّن الملك عند ذلك عجز أهل زمانه عن إقامة مثل ذلك القصر.
وقد ذكر أنّه كان بالإسكندرية ضرس إنسان عند قصّاب يزن به اللّحم، زنته ثمانية أرطال.
ويقال إنّ عمود السّواري، الموجود الآن خارج مدينة الإسكندرية، أحد سبعة أعمدة أتى بأحدها البتون بن مرّة العادي، وهو يحمله تحت إبطه، من جبل بريم الأحمر قبلي أسوان إلى الإسكندرية، فانكسر ضلعه لأنّه كان ضعيف القوى في قومه.
فشقّ ذلك على يعمر بن شدّاد بن عاد، وقال: ليتني فديته بنصف ملكي.
وجاء بعمود آخر جحدر بن سنان الثّمودي - وكان قويّا - فحمله من أسوان تحت إبطه وجاء بقيّة رجالهم، كلّ رجل بعمود، فأقام العمد السّبعة الجاورد بن قطن المؤتفكي - وكان بناؤها - بعد أن اختاروا لها طالعا سعيدا كما هي عادتهم في عامّة أعمالهم.
وقد ذكر غير واحد أنّ الصّخور، في القديم من الدّهر، كانت تلين، فعمل منها أعمدة ناعط ومأرب وبينون ومآثر اليمن، وأعمدة دمشق ومصر ومدين وتدمر، وأنّ كلّ شيء كان يتكلّم.
قال أميّة بن أبي الصّلت (١):
[الوافر]
وإذ هم لا لبوس لهم عراة … وإذا صخر السّلام لهم رطاب
وقال قوم: عمود السّواري من جملة أعمدة كانت تحمل رواقا يقال له بيت الحكمة، وذلك حيث انتهت علوم أهل الغرب إلى خمس فرق، وهم: أصحاب الرّواق هذا، وأصحاب الأسطوانة وكانوا ببعلبك، وأصحاب المظال وهم بأنطاكيّة، وأصحاب البرابي وكانوا بصعيد مصر، والمشّاءون وكانوا بمقدونية.
وكأنّي بمن قلّ علمه ينكر عليّ إيراد هذا الفصل، ويراه من قبيل المحال وممّا وضعه القصّاص ويجزم بكذبه، فلا يوحشنّك حكايتي له، واسمع قول اللّه تعالى عن عاد قوم هود: ﴿وَاُذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي اَلْخَلْقِ بَصْطَةً﴾ [الآية ٦٩ سورة الأعراف]، أي طولا وعظم جسم.
(١) انظر عنه فيما تقدم ٥٧؛ والبيت في ديوانه.