بالعالم عمود مثله؛ وقد رأيت في جبل أسوان أخا هذا العمود وقد هندس ونقر، ولم يفصل من الجبل، ولم يحمل ما ظهر منه، وإنّما كانوا ينتظرون به أن يفصل من الجبل، ثم يحمل إلى حيث يريد القوم (١). انتهى.
وكان بالإسكندرية من العمد العظام، وأنواع الحجارة والرّخام الذي لا تنقل القطعة منه إلاّ بألوف من الناس، وقد علّقت بين السّماء والأرض على فوق/ المائة ذراع، وفوق رؤوس أساطين دائر الأسطوانة ما بين الخمسة عشر ذراعا إلى العشرين ذراعا، والحجر فوقه عشرة أذرع في عشرة أذرع في سمك عشرة أذرع، بغرائب الألوان.
وكان بالإسكندرية قصر عظيم لا نظير له في معمور الأرض، على ربوة عظيمة بإزاء باب البلد، طوله خمس مائة ذراع، وعرضه على النّصف من ذلك، وبابه من أعظم بناء وأتقنه، كل عضادة منه حجر واحد، وعتبته حجر واحد.
وكان فيه نحو مائة أسطوانة، وبإزائه أسطوانة عظيمة لم يسمع بمثلها، غلظها ستة وثلاثون شبرا، وعلوّها بحيث لا يدرك أعلاها قاذف حجر، وعليها رأس محكم الصناعة يدل على أنّه كان فوق ذلك بناء، وتحتها قاعدة حجر أحمر محكم الصّناعة، عرض كلّ ضلع منه عشرون شبرا في ارتفاع ثمانية أشبار.
والأسطوانة منزّلة في عمود من حديد قد خرقت به الأرض، فإذا اشتدّت الرّياح رأيتها تتحرّك، وربّما وضع تحتها الحجارة فطحنتها لشدّة حركتها.
وكانت هذه الأسطوانة إحدى عجائب الدّنيا، وقد زعم قوم أنّها ممّا عمله الجنّ لسليمان بن داود ﵉، كما هي عادتهم في نسبة كلّ ما يستعظمون عمله إلى أنّه من صنيع الجنّ، وليس كذلك، بل كانت ممّا عمله قدماء من أهل مصر.
كان في وسطه قبّة، ومن حولها أساطين، وعلى الجميع قبّة من حجر واحد رخام أبيض كأحسن ما أنت راء من الصّنائع.
ويقال إنّ بعض ملوك مصر دخل الإسكندرية، فأعجبه هذا القصر وأراد أن يبني مثله، فجمع الصّنّاع والمهندسين ليقيموا له قصرا عظيما على هيئته، فما منهم إلاّ من اعترف بعجزه عن مثله، إلاّ شيخا منهم فإنّه التزم أن يصنع مثله؛ فسرّ الملك ذلك، وأذن له في طلب ما يحتاج إليه من