عجيبة حتى بلغ مدينة طرسوس، وكاد يهلك لفرط البرد حتى انقبض عصبه، فلاقاه دارا في ثلاث مائة ألف راجل ومائة ألف فارس.
فلمّا التقى الجمعان كاد الإسكندر يفزع (a) لكثرة ما كان فيه دارا وقلّة ما كان فيه، واستحر (b) القتال بينهما وباشر القوّاد الحرب بأنفسهم، وتنازل الأبطال، واختلف الطّعن والضّرب، وضاق الفضاء بأهله، فباشر كلا الملكين الحرب بأنفسهما: دارا والإسكندر، وكان الإسكندر أكمل أهل زمانه فروسية وأشجعهم وأقواهم جسما، فباشرا حتى جرحا جميعا، وتمادى الحرب بينهما حتى انهزم دارا، ونزلت الوقيعة بالفرس، فقتل من راجلهم نحو من ثمانين ألفا، ومن فرسانهم نحو من عشرة آلاف، وأسر منهم نحو من أربعين ألفا، ولم يسقط من عسكر الإسكندر (c) إلاّ مائتان وثلاثون راجلا ومائة وخمسون فارسا. فانتهب الإسكندر جميع عسكر الفرس، وأصاب فيه من الذّهب والفضّة والأمتعة الشّريفة ما لا يحصى كثرة، وأصيب من جملة الأسارى أمّ دارا وزوجته وأخته وابنتاه، فطلب دارا من الإسكندر فديتهن بنصف ملكه فلم يجبه إلى ذلك (١).
فعبّأ دارا مرّة ثالثة وحشد الفرس عن آخرهم، واستجاش بكلّ من قدر عليه من الأمم، فبعث الإسكندر قائدا في أسطول (٢) للغارة على بلد الفرس، ومضى الإسكندر إلى الشّام فتلقّاه هنالك ملوك الدّنيا خاضعين له، فعفا عن بعض ونفى بعضا وقتل بعضا، ومضى إلى أحواز طرسوس - وكانت مدينة زاهرة قديمة عظيمة الشّأن، وأهلها قد وثقوا بعون أهل إفريقية لهم لصهر كان بينهم - فحاصرهم فيها حتى افتتحها، ومضى منها إلى رودس وإلى مصر فانتهب الجميع، وبنى مدينة الإسكندرية بأرض مصر، وقال هروشيوش: وله في بنيانها أخبار طويلة وسياسات كرهنا تطويل كتابنا بها (٣).
ثم إنّ دارا لمّا يئس من مصالحته أقبل في أربع مائة ألف راجل ومائة ألف فارس فتلقّى الإسكندر مقبلا من ناحية مصر، في أعمال مدينة طرسوس، فكانت بينهما معركة عجيبة شنيعة، اجتهادا من الرّوم على ما كانوا خبروه واعتادوه (d) من الغلبة والظّفر، واجتهادا من الفرس بالتّوطين على
(a) بولاق: يفر. (b) بولاق: ووقع. (c) عند أوروسيوس: المجدونيين. (d) بولاق: واعتادوا. (١) أوروسيوس: تاريخ العالم ٢٣٠ - ٢٣١. (٢) عند أوروسيوس: يدعي برمينون Parmenion ابن وب. (٣) أوروسيوس: تاريخ العالم ٢٣١.