للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بصره حتى يدرك الرّوحانيين. ووجد تمثالا من ذهب إذا ظهر غيّمت السّماء وأمطرت، ومثال غراب من حجر إذا سئل عن شيء صوّت وأجاب عنه، ووجد في كلّ خزانة عشر أعجوبات.

فلمّا فرغ من بناء المدينة وجّه إلى حوريا (a) يحثّها على القدوم إليه، فحملت إليه فرشا فاخرا ليبسطه في المجلس الذي يجلس فيه، وقالت له: اقسم جيشك أثلاثا، فأنفذ إليّ ثلثه، حتى إذا بلغت ثلث الطريق فأنفذ الثّلث الآخر، فإذا جزت نصف الطّريق فأنفذ الثلث الباقي ليكونوا من ورائي، لئلاّ يراني أحد إذا دخلت عليك، ولا يكون عندك إلاّ صبية تثق بهم يخدمونك، فإنّي أوفّيك في جوار تكفيك الخدمة ولا أحتشمهن، ففعل؛ وأقامت تحمل الجهاز إليه والأموال حتى علم بمسيرها فوجّه إليها ثلث جيشه، فعملت لهم الأطعمة والأشربة المسمومة، وأنزلهم جواريها وحشمها وقدّموا إليهم الأطعمة والأشربة والطّيب وأنواع اللّهو، فلم يصبح منهم أحد حيّا.

وسارت، فلقيها الثّلث الآخر ففعلت به مثل ذلك، وهي توجّه إليه أنّها أنفذت جيشه إلى قصرها ومملكتها يحفظونهما.

وسارت حتى دخلت عليه هي وظئرها وجواريها، فنفخت ظئرها في وجهه نفخة بهت إليها، ورشّت عليه ما كان معها فارتعدت أعضاؤه، وقال: من ظنّ أنّه يغلب النّساء فقد كذبته نفسه وغلبته النّساء. ثم إنّها فصدت عروقه وقالت: دماء الملوك شفاء، وأخذت رأسه ووجّهت به إلى قصرها ونصبته عليه، وحوّلت تلك الأموال إلى مدينة منف، وبنت منارا بالإسكندرية وزبرت عليه اسمها واسمه، وما فعلت به، وتاريخ الوقت.

فلمّا بلغ خبرها الملوك هابوها وأطاعوها وهادوها. وعملت بمصر عجائب كثيرة، وبنت على حدّ مصر من ناحية النّوبة حصنا وقنظرة يجري ماء النّيل من تحتها، واعتلت فقلّدت ابنة عمّها زليفة بنت مأموم (b)، وماتت (١).

وقال ابن خرداذبه: روي أنّ الإسكندرية بنيت في ثلاث مائة سنة، وأنّ أهلها مكثوا سبعين سنة لا يمشون فيها بالنّهار إلاّ بخرق سود مخافة على أبصارهم من شدّة بياض حيطانها، ومنارتها العجيبة على سرطان زجاج في البحر، وأنّه كان فيها سوى أهلها ستّ مائة ألف من اليهود خول لأهلها (٢).


(a) بولاق: جورياق.
(b) بولاق: زلفى بنت مأمون.
(١) النويري: نهاية الأرب ١٠٧: ١٥ - ١١٢ نقلا عن ابن وصيف شاه.
(٢) ابن خرداذبه: المسالك والممالك ١٦٠؛ ياقوت: معجم البلدان ١٨٦: ١.