وقال ابن وصيف شاه: وكانت العمارة ممتدّة في رمال رشيد والإسكندرية إلى برقة، فكان الرجل يسير في أرض مصر فلا يحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات، ولا يسير إلاّ في ظلال تستره من حرّ الشّمس.
وعمل الملك صا بن قبطيم في تلك الصّحارى قصورا، وغرس فيها غروسا، وساق إليها من النّيل أنهارا، فكان يسلك من الجانب الغربي إلى حدّ/ الغرب في عمارة متّصلة.
فلمّا انقرض أولئك القوم بقيت آثارهم في تلك الصّحارى، وخربت تلك المنازل وباد أهلها، ولا يزال من دخل تلك الصّحارى يحكي ما رآه فيها من الآثار والعجائب.
وقال ابن عبد الحكم: وكان الذي بنى الإسكندرية وأسّس بناءها ذو القرنين الرّومي، واسمه الإسكندر، وبه سمّيت الإسكندرية، وهو أوّل من عمل الوشي، وكان أبوه أوّل القياصرة.
وقيل إنّه رجل من أهل مصر اسمه مرزبا بن مرزبة اليوناني، من ولد يونان بن يافث بن نوح ﷺ. وقيل كان من أهل لوبية، كورة من كور مصر الغربية. قال ابن لهيعة: وأهلها روم. ويقال هو رجل من حمير، قال تبّع (١):
[الكامل]
قد كان ذو القرنين جدّي مسلما … ملكا تدين له الملوك وتحشد
بلغ المغارب والمشارق يبتغي … أسباب علم من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشّمس عند غروبها … في عين ذي خلب وثأط حرمد
ويروى:«قد كان ذو القرنين قبلي مسلما». وحدّثني عثمان بن صالح، حدّثني عبد اللّه بن وهب، عن عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم، عن سعد بن مسعود التّجيبي، عن شيخين من قومه قالا: كنّا بالإسكندرية، فاستطلنا يومنا فقلنا: لو انطلقنا إلى عقبة بن عامر نتحدّث عنده، فانطلقنا إليه فوجدناه جالسا في داره، فأخبرناه أنّا استطلنا يومنا؛ فقال: وأنا مثل ذلك، إنّما خرجت حين استطلته؛ ثم أقبل علينا فقال: كنت عند رسول اللّه ﷺ أخدمه، فإذا أنا برجال من أهل الكتاب معهم مصاحف أو كتب، فقالوا: استأذن لنا على رسول اللّه ﷺ، فانصرفت إليه فأخبرته بمكانهم فقال رسول اللّه ﷺ: «مالي ولهم، يسألوني عمّا لا أدري، إنّما أنا عبد لا
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٣٧ - ٣٨؛ وقارن، البيروني: الآثار الباقية ٤٠ - ٤١؛ ابن منظور: لسان العرب ١٢٥: ٤؛ الزبيدي: تاج العروس ٣٣٥: ٢.