وأنّ بعد غرق فرعون إلى ثلاث مائة وثمان وعشرين سنة كان بمصر ملك يسمّى بزوبة [Vesozes]، وكان عظيم المملكة قويّ السّلطان أخذ بالحرب أكثر نواحي الجنوب [والجوف] (a) برّا وبحرا؛ وهو أوّل من حارب الشسيين (b) [Scythis] الذين قيل لهم بعد ذلك القوط (c)، وكان قد أرسل إليهم يدعوهم إلى طاعته ويخوّفهم حربه، فأجابوه: ليس من الرّأي المحمود للملك الغني محاربة قوم فقراء لكثرة نوازل الحروب واختلاف حوادثها بالظّفر والهلاك، وإنّا لا ننتظر مجيئك، بل نسرع لغارتك؛ وأتبعوا قولهم عملا، وخرج فرعون إليهم فخرجوا مسرعين إليه، وهزموا جيوشه ونهبوا عساكره وأمواله وعدده وجميع ذخائره، ومضوا فنهبوا أرض مصر حتى كادوا يغلبون عليها لولا وحول (d) عرضت لهم منعتهم ممّا خلفها (e)، ثم انصرفوا إلى بلاد الشّام (f) بحروب متّصلة حتى أذلّوا أهلها وجعلوهم يؤدّون إليهم المغارم، وأقاموا محاربين لمن خلفهم (g) في غزوتهم خمس عشرة سنة، ولم ينصرفوا إلى بلادهم حتّى أتتهم من نسائهم من يقلن لهم: إمّا أن تنصرفوا، وإمّا أن نتّخذ الأزواج ونطلب النّسل من عند المجاورين لنا. فعند ذلك انصرفوا إلى بلادهم وقد امتلأت أيديهم أموالا وأوقارا جمّة، وقد خلّفوا وراءهم ذكرا مفزعا (١).
ويقال إنّ ملوك مدين ملكوا مصر خمس مائة عام بعد غرق فرعون وهلاك دلوكة حتى أخرجهم منها نبيّ اللّه سليمان بن داود، فعاد الملك بعدهم إلى القبط، وإنّ جالوت بن مالود (h) لمّا قتله داود سار ابنه جالوت بن جالوت إلى مصر وبها ملوك مدين، فأنزله ملك مصر بالجانب الغربي، فأقام بها مدّة ثم سار إلى بلاد المغرب (٢).
ويقال إنّ القبط ملكوا مصر بعد دلوكة وابنها مدّة ستّ مائة سنة وعشرين سنة، وعدّتهم سبعة وعشرون ملكا، هم (٣):
(a) زيادة من أوروسيوس. (b) الأصل وبولاق: الروم والمثبت من ترجمة أوروسيوس. (c) بولاق: الغوط. (d) أوروسيوس: مروج دجلة. (e) بولاق: خلفهم. (f) أوروسيوس: بلد أسيه. (g) بولاق: خالفهم. (h) بولاق: يالوت. (١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١١٧ - ١١٨. (٢) انظر فيما يلي ٥١٢. (٣) اعتمد المقريزي ابتداء من هذا الموضع على قائمة مانيتون Manetho كما نقلها يوسيبيوس القيصري Eusebius of Caesarea (٢٦٠ - ٣٤٠ م)، وتشتمل على ملوك الأسرات التسعة المصرية الأخيرة وهم أربعة وثلاثون ملكا أوّلهم ملوك الأسرة التاسعة عشرة وهم أسرة ديوسبوليس Diospolis، ويبدو أن ما وقع للمقريزي من كتاب يوسيبيوس يشتمل على الكتاب الثالث من كتاب مانيتون الذي يبدأ بالأسرة العشرين. ويتّفق نصّ المقريزي