وفي أيّامها بنت تدورة الساحرة البرابي في وسط منف (١).
فملكتهم دلوكة عشرين سنة، حتى بلغ صبيّ من أبناء أكابرهم يقال له دركون بن بلاطس. ثم مات واستخلف ابنه تودست، ثم توفي تودست بن دركون، فاستخلف أدقاش، فلم يملك إلاّ ثلاث سنين حتى مات، فاستخلف أخوه مرينا بن مرينوس. ثم توفّي فاستخلف استادس بن مرينا، فطغى وتكبّر وسفك الدّم وأظهر الفاحشة، فخلعوه وقتلوه، وبايعوا رجلا من أشرافهم يقال له بلوطس بن ميناكيل، فملكهم أربعين سنة. ثم توفي فقام ابنه مالوس. ثم توفّي مالوس فاستخلف أخوه ميناكيل بن بلوطس بن ميناكيل، فملكهم زمانا. ثم توفّي واستخلف ابنه نولة بن ميناكيل، فملكهم مائة وعشرين سنة؛ وهو الأعرج الذي سبى ملك بيت المقدس وقدم به إلى مصر، وكان قد تمكّن وطغى وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد ممن قبله بعد فرعون، فصرعته دابّته فمات (٢). وقيل له الأعرج لأنّه لمّا غزا أهل بيت المقدس ونهبهم وسبى ملكهم يوشيا بن أمون بن منشا ابن حزقيا، همّ أن يصعد على كرسي نبيّ اللّه سليمان بن داود - وكان بلولب لا يمكن أحدا أن يصعد عليه إلاّ برجليه جميعا - فصعد برجل واحدة، وهي اليمنى، فدار اللّولب على ساقه الأخرى فاندقّت، فلم يزل يخمع بها إلى أن مات، فلذلك سمّي الأعرج.
فاستخلف مرنيوس بن بوله، فملكهم زمانا ثم توفّي، واستخلف ابنه قرقورة فملكهم ستين سنة ثم توفّي، واستخلف أخوه لقاس بن مرينوس، وانهدم البربا في زمنه فلم يقدر أحد على إصلاحه ثم توفّي لقاس واستخلف ابنه فوميس بن نقاس فملكهم دهرا وحاربه بخت نصّر وقتله، وخرّب مدينة منف وغيرها من المدائن، وسبى أهل مصر ولم يترك بها أحدا حتى بقيت أرض مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها ساكن.
وذكر في ترجمة كتاب هروشيوش الأندلسي، في وصف الدّول والحروب، أنّ فيما بين غرق فرعون موسى إلى مائة وسبع سنين (٣) كان بمصر ملك يسمى بوشردش [Busiridis]، كان يقتل الغرباء والأضياف، ويذبحهم لأوثانه، ويجعل دماءهم قربانا لها (٤).
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٢٧. (٢) نفسه ٢٨ - ٢٩. (٣) في الأصل اللاتيني في الموضع الأول: قبل بناء مدينة رومة بسبع مائة سنة وخمس وسبعين سنة، وفي الموضع الثاني: قبل بنيان مدينة رومة بأربع مائة وثمانين سنة، ولاحظ عبد الرحمن بدوي - ناشر الترجمة العربية - أن المقريزي حاول أن يحل تقويما دينيا محل التقويم المستند إلى بناء مدينة روما (مقدمة تاريخ العالم لأوروسيوس ٣٢). (٤) أوروسيوس: تاريخ العالم ١١٥.