للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاجتمع الناس إلى معدان، وحثّوه على المسير لحربه، فامتنع عن المسير ولزم الهيكل. فزعموا أنّه قام في هيكل زحل للعبادة، فتجلّى له زحل وخاطبه وقال له: قد جعلتك ربّا على أهل بلدك، وحبوتك بالقدرة عليهم وعلى غيرهم، وسأرفعك إلىّ فلا تخلّ من ذكري.

فعظم عند نفسه وتجبّر، وأمر الناس أن يسمّوه ربّا، وترفّع عن أن ينظر في شيء من أمر الملك، وجعل عليه ابنه أكسامس (١).

فقام ابنه أكسامس في الملك - ويقال كاسم بن معدان - فرتّب الناس مراتب، وقسّم الكور والأعمال، وأمر باستنباط العمارات وإظهار الصّناعات، ووسّع على النّاس في أرزاقهم، وأمر بتنظيف الهياكل وتجديد لباسها وأوانيها، وزاد في القرابين؛ وهو الذي يقال له كاشم بن معدان ابن دارم بن الرّيّان بن الوليد بن دومع العمليقي، وهو سادس الفراعنة، وسمّوا فراعنة بفرعان الأوّل، فصار اسما لكلّ من تجبّر وعلا أمره (٢).

فطال ملكه، وأقام أعلاما كثيرة حول منف، وعمل مدنا كثيرة ومناير للوقودات وطلّسمات، وأقام سبع سنين بأجمل أمر.

فلمّا مات وزير أبيه استخلف رجلا من أهل بيت المملكة يقال له طلما بن قومس. وكان شجاعا ساحرا كاهنا كاتبا حكيما متصرّفا في كلّ فنّ، وكانت نفسه تنازعه الملك، فأصلح أمر الملك، وبنى مدنا من الجانبين، ورأى في نجومه أنّه سيكون حدث، فبنى بناحية رقودة والصّعيد ملاعب ومصانع.

وشكا إليه القبط من الإسرائيليين، فقال: هم عبيدكم، فأذلّوهم من حينئذ؛ وخرج إلى ناحية البربر فعاث وقتل وسبى. وفي أيّامه بنيت منارة الإسكندرية، وهاج البحر الملح فغرّق كثيرا من القرى والجنان والمصانع.

ومات أكسامس، وكان ملكه إحدى وثلاثين سنة، منها إحدى عشرة سنة يدبّر أمره طلما (a) (٣). فلمّا مات اضطرب الناس واتّهموا طلما (a) أنّه سمّه؛ فقام وولّي لاطيس بن أكساميس، وكان جريئا معجبا صلفا، فأمر ونهى، وألزم الناس أعمالهم، وقال: أنا مستقيم ما استقمتم،


(a) بولاق: ظلما.
(١) النويري: نهاية الأرب ١٣٠: ١٥ - ١٣٢.
(٢) انظر فيما تقدم ٣٦٣.
(٣) النويري: نهاية الأرب ١٣٢: ١٥ - ١٣٣.