للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو أوّل من أظهر علم الكيمياء بمصر، وكان علمها مكتوما، وكان من تقدّمه من الملوك أمروا بترك صنعتها، فعملها كلكن وملأ دور الحكمة منها حتى لم يكن الذّهب في زمن بمصر أكثر منه في وقته، ولا الخراج، لأنّه كان مائة ألف ألف وبضعة عشر ألف ألف مثقال، فاستغنوا عن إثارة المعادن.

وعمل أيضا من الحجارة الملوّنة التي تشفّ شيئا كثيرا، وعمل من الفيروزج وغيره أشياء واخترع أمورا تخرج عن حدّ العقل حتى سمّي حكيم الملوك، وغلب جميع الكهنة في علومهم، وكان يخبرهم بما يغيب عنهم.

وكان نمرود إبراهيم في وقته، فاتّصل بنمرود خبر حكمته وسحره فاستزاره.

وكان النّمرود جبّارا مشوّه الخلق، يسكن السّواد من العراق، وآتاه اللّه قوّة وقدرة وبطشا فغلب على كثير من الأمم. فتقول القبط إنّ النّمرود لمّا استزار كلكن (a)، وجّه إليه أن يلقاه بموضع كذا، فسار إلى الموضع على أربعة أفراس تحمله ذوات أجنحة، وقد أحاط به نور كالنّار، وحوله صورة هائلة وقد خيل بها، وهو متوشّح بثعبان متحزّم ببعضه، وقد فغر فاه، وهو يضربه بقضيب آس أخضر (b)، فلمّا رآه النّمرود هاله، وأقرّ له بجليل الحكمة، وسأله أن يكون ظهيرا له.

ويقال إنّه كان يرتفع ويجلس على الهرم الغربي في قبّة تلوح على رأسه، فإذا دهم أهل البلد أمر اجتمعوا حول الهرم، فيقيم أيّاما لا يأكل ولا يشرب.

ثم استتر مدّة حتى توهّموا أنّه هلك، فطمع فيه الملوك وقصده ملك من الغرب في جيش عظيم حتى قدم وادي هبيب، فأقبل حتى جلّلهم من سحره بشيء كالغمام شديد الحرّ، فأقاموا تحته أيّاما متحيّرين، ثم طار إلى مصر وأمرهم بالخروج إلى الجيش، فوجدوهم قد ماتوا هم ودوابّهم، فهابه الكهنة مهابة لم يهابوها أحدا قبله.

وعمّر طويلا، وغاب فلم يعلم خبره (١).

وقال ابن عبد الحكم: إنّ كلكن (a) بن خربتّا (c) ملكهم نحو مائة سنة، ثم مات ولا ولد له، فملك أخوه ماليا بن خربتّا (c) (٢).


(a) بولاق: كلكلي.
(b) ساقطة من بولاق.
(c) بولاق: خرابا.
(١) النويري: نهاية الأرب ١٠١: ١٥ - ١٠٣.
(٢) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ١٠.