للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقال إنّه كان موحّدا على دين أجداده/ قبطيم ومصرايم، وكانت القبط تذمّه لذلك. وأمر الناس باتّخاذ كلّ فاره من الخيل، واقتنى السّلاح، وآلة (a) الأسفار، وأنشأ في بحر المغرب مائتي سفينة، وخرج في جيش عظيم في البرّ والبحر، فلقي (b) البربر فهزمهم واستأصل أكثرهم. وبلغ إفريقيّة، وسار إلى الأندلس يريد الإفرنجة، فلم يمرّ بأمّة إلاّ أبادها، فحشد له ملك الإفرنجة وحاربه شهرا، ثم طلب صلحه وأهدى إليه، فسار عنه ودوّخ الأمم المتّصلة بالبحر الأخضر.

والقبط تذكر أنّه رأى سبعين أعجوبة، وعمل أعمالا على البحر وزبر عليها اسمه ومسيره، وخرّب مدن البربر، ورجع فتلقّاه أهل مصر بأصناف الرّياحين وأنواع اللّهو، وفرشت له الطّرقات. فهابه الملوك وحملوا إليه الهدايا. ومازال موحّدا حتى مات (١).

فملك بعده ابنه خربتّا (c)، وكان ليّنا سهل الخلق، قد عرّفه أبوه التّوحيد ونهاه عن عبادة الأصنام، فرجع عن ذلك بعده إلى دين قومه.

وغزا الهند والسّودان بعد ما عمل مائة سفينة على عمل (d) سفن الهند، وتجهّز وحمل معه امرأته ووجوه أصحابه، واستخلف ابنه كلكن (e) على مصر - وكان صبيّا - وجعل معه وزيرا كاهنا. فمرّ على ساحل اليمن وعاث في مدائنه، وبلغ سرنديب وأوقع بأهلها، وبلغ جزيرة بين الهند والصّين فأذعن له أهلها، وتنقّل في تلك الجزائر سنين.

فيقال إنّه أقام في سفره سبع عشرة سنة ورجع غانما، فهابه الملوك. وبنى عدّة هياكل وأقام بها الأصنام للكواكب. ثم غزا نواحي الشّام فأطاعه أهله، ورجع فغزا النّوبة والسّودان، وضرب عليهم خراجا يحملونه إليه، ورفع أقدار الكهنة ومصاحفهم. وكان يرى أنّ هذا الظّفر بمعونة الكواكب له؛ ومات وقد ملك خمسا وسبعين سنة (٢).

فقام ابنه كلكن (e)، وعقد له بالإسكندرية فأقام بها شهرا، ثم قدم إلى منف. وكان أصناميّا، فسرّ به أهل مصر، وكان يحبّ الحكمة وإظهار العجائب، ويقرّب أهلها ويجيزهم، وعمل الكيمياء، وخزن أموالا عظيمة بصحارى الغرب.


(a) بولاق: وأكثر.
(b) بولاق: وأتى.
(c) بولاق: خرابا.
(d) بولاق: شكل.
(e) بولاق: كلكلي.
(١) النويري: نهاية الأرب ٩٤: ١٥ - ٩٩.
(٢) نفسه ٩٩: ١٥ - ١٠١.