للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وملك بعده نحو أربعة، وصار الملك إلى صا بن قبطيم، وكان أصغر ولد أبيه وأحبّهم إليه (١).

ولمّا مات ملكت بعده نونية الكاهنة، وكانت ساحرة، فكانت تجلس على سرير من نار، فإذا تحاكم إليها أحد وكان صادقا شقّ تلك النار من غير أن تضرّه، وإن كان كاذبا أخذته تلك النار، وكانت تتصوّر كلّ يوم في صور كثيرة الأشكال.

ثم بنت قصرا واحتجبت فيه، وجعلت في سوره أنابيب من نحاس مجوّفة، وكتبت على كلّ أنبوب فنّا من الفنون التي يتحاكم الناس بها إليها، فكان من أتاها في محاكمة وقف عند الأنبوب الذي فيه محاكمته، وتكلّم بما يريده، وسأل عنه بصوت خفيّ، فإذا فرغ جعل أذنه في الأنبوب فيأتيه منه جواب ما سأل. ولم يزل هذا القصر والأنابيب حتى أتلفه بخت نصّر.

وملك بعدها مرقونس، وكان فاضلا حكيما، وكانت أمّه بنت ملك النّوبة، فعملت عجائب، وصنع في أيّامه كلّ غريبة. وملك ثلاثا وسبعين سنة، ومات وعمره مائتان وأربعون سنة.

فملك بعده ابنه أنساد (a)، وهو ابن خمس وأربعين سنة، وكان جبّارا طمّاح العين، فانتزى امرأة أبيه، وانكشف أمره معها، وكان أكبر همّه اللّهو واللّعب، فجمع كلّ ملّة في مملكته، ورفض العلوم، وأهمل أمر الهياكل والكهنة، وترك النّظر في أحوال الناس، وبنى قصورا على النّيل ليتنزّه فيها، وأتلف أكثر الأموال في اللّعب؛ فكرهه الناس وكرههم، إلى أن سمّوه فمات عن مائة وعشرين سنة (٢).

وملك بعده ابنه صا، ويقال إنّ صا هو بن مرقونس، وهو أخو أنساد. ولما ملك سكن منف، ووعد الناس بخير، وملك الأحياز كلّها، وعمل بها عجائب وطلّسمات، وردّ الكهنة إلى مراتبهم، ونفى الملهين وأهل الشّر، ونصب العقاب الذي عمله أبوه وشرّف هيكله ودعا إليه، وبنى بداخل الواحات مدينة، ونصب قرب البحر أعلاما كثيرة، وجعل على الأطراف أصحاب أخبار يرفعون إليه ما يجري في حدودهم، وعمل على حافتي النّيل منابر يوقد عليهم إذا حزبهم


(a) الأصل وبولاق: إيسار والمثبت من النويري وفييت.
(١) النويري: نهاية الأرب ٨١: ١٥.
(٢) نفسه ٨٦: ١٥ - ٨٨.