فملك بعده أتريب بن قبطيم بن مصرايم، وهو الثالث عشر من ملوك مصر بعد الطّوفان، وهو الذي بنى مدينة أتريب (١)، وعاش خمس مائة سنة، منها مدّة ملكه ثلاث مائة وستون سنة.
ويقال إنّ النّيل وقف في أيّام أتريب مائة وأربعين سنة، حتى أكلت البهائم بأرض مصر ولم يبق بها بهيمة، ورئي أتريب ماشيا وهو يبسط يديه ويقبضهما من الجوع، ومات عامّة أهل مصر جوعا، ثم أغيثوا بعد ذلك وكثر الرّخاء، ودام مدّة مائتي سنة، وبيع كلّ أردبّ بدانق وأقلّ. ولمّا مات اتّهم أخوه صا بقتله، وحاربه أهل مصر تسع سنين وقتلوه (٢).
فملكت بعده ابنته تدورة، وكانت كاهنة ساحرة، فساست الملك أحسن سياسة ودبّرت المملكة (a) أجود تدبير، وعملت طلّسمات عجيبة، منها طلّسم منع الوحش والطّير أن يشرب من النّيل حتى مات أكثرها عطشا/، ووقعت في زمانها صيحة ارتجّت لها الأرض فهلكت (٣).
وملك بعدها أخوها فليمون بن أتريب، وكان حكيما فاضلا، فبنى البنيان وعمل الطّلّسمات. وفي أيامه بنيت مدينة تنّيس الأولى، وبنيت مدينة دمياط. وأقام ملكا تسعين سنة ومات فدفن في ناووس (٤).
وملك بعده ابنه فرسون، وكان فاضلا كاهنا، بنى المدائن، وجدّد الهياكل؛ وكان حدثا، فقصده بعض ملوك حمير في جموع عظيمة، فخرج إليه (b)، ولقيه بمدينة إيله (c) وقاتله قتالا شديدا حتى تفانى من الفريقين معظمهما، وأظهر المصريون أشياء من سحرهم فانهزم الحميري في طائفة يسيرة، وقتل فرسون عامّة أصحابه وأخذ ما كان معهم، وعاد مظفّرا إلى مدينة منف. وعمل منارا على بحر القلزم في رأسه مرآة تجذب المراكب إلى السّاحل حتى يؤخذ منها ما هو مقرّر عليها من المال.
وأقام ملكا مائتي سنة وستين سنة، ومات فدفن في ناووس خلف الجبل الأسود الشّرقي، وعمل فيه قبّة تحتوى على اثني عشر بيتا، في كلّ بيت أعجوبة، ودفن معه ماله، وعمل عليه طلّسم يحفظه (٥).
(a) بولاق: الملك. (b) بولاق: إليهم. (c) بولاق: إيليا. (١) فيما يلي ٤٧٤. (٢) النويري: نهاية الأرب ٧٥: ١٥ - ٧٧. (٣) نفسه ٧٧: ١٥. (٤) نفسه ٧٧: ١٥ - ٧٨؛ وفيما يلي ٤٧٦. (٥) نفسه ٧٨: ١٥ - ٨٠.