وسار في الجنوب يوما، ثم سار مغرّبا يوما وبعض آخر، فانتهى في اليوم الثالث إلى جبل أسود، فعمل تحته أسرابا ومغاير، ودفن فيها أمواله، وزبر عليها حتى إنّه من كثرتها يقال إنّه دفن حمل اثني عشر ألف عجلة ذهبا وجواهر. وأقام أربع سنين يرسل في كلّ سنة عجلا كثيرة يدفنها. وبقيت آثار العجل ترى في ما بين منف والمغرب زمانا طويلا (١).
وبنى هيكلا للقمر، ويقال إنّه هو الذي بنى مدينة منف لبناته، وكنّ ثلاثين بنتا، وإنّه ألزم الناس بعمل الكيمياء فكانوا لا يفترون عن عملها ليلا ولا نهارا، حتى اجتمع عنده مال عظيم وجوهر كثير (٢).
وهو الذي بنى مدينة عين شمس، وقسّم خراج مصر أرباعا: جعل الرّبع للملك، والرّبع للجند، والرّبع ينفق في مصالح الأرض، والرّبع الرّابع يدفن لحادثة تحدث.
وهو الذي قسم أرض مصر على مائة وثلاثين كورة. وأقام ملكا إحدى وتسعين (a) سنة ومات (٣).
فملك بعده ابنه عديم بن منقاوش، وكان جبّارا لا يطاق، وفي أيّامه كان نزول الملكين اللّذين يعلّمان الناس السّحر، والقبط تزعم أنّهما نزلا بأرض مصر ثم نقلا إلى بابل (٤).
ثم ملك بعده أخوه مناوش بن منقاوش، وكان عالما كاهنا/ فاضلا كأبيه (b)، بنى مواضع كثيرة في الجبال والصّحاري، وكنّز فيها كنوزا عظيمة، وأقام عليها أعلاما، وبنى في صحراء الغرب مدينة [يقال لها ديماس] (c)، وأقام لها منارة، وكنّز حولها كنوزا عظيمة، وجعل فيها شجرة تطلع كلّ لون من الفاكهة، وهو أوّل من عبد البقر بمصر.
وكان يطلب الحكمة ويستخرج كتبها، وكذا كان كلّ من ملك منهم يجتهد في أن يعمل له غريبة من الأعمال لم تعمل لمن كان قبله، وتثبت في كتبهم، وتزبر على الحجارة (٥).
ولمّا مات ملك بعده ابنه هرميس، وكان قليل الحكمة فلم يعمل شيئا ممّا عمله آباؤه، ومات وقد أقام إحدى عشرة سنة (٦).
(a) عند النويري: سبعين. (b) ساقطة من بولاق. (c) إضافة من النويري. (١) النويري: نهاية الأرب ٦٤: ١٥. (٢) نفسه ٦٤: ١٥. (٣) نفسه ٦٦: ١٥ وفيما يلي ٦١٩. (٤) لم يذكره النويري. (٥) النويري: نهاية الأرب ٦٧: ١٥ وفيما يلي ٦٤٥. (٦) نفسه ٦٩: ١٥.