ثم إنّه غاب عن أهل مصر وصاروا بغير ملك، ثم رأوا صورة بحذاء جرم الشّمس عند حلولها أوّل برج الحمل، فأمرهم أن يقلّدوا الملك عديم بن قفطيم، وأعلمهم أنّه ما بقي يعود إليهم (١).
فولّوا عليهم (a)) ملك مصر (a) عديم بن قفطيم، وكان جبّارا عظيما، وهو أوّل من صلب بمصر، وذلك أنّ امرأة ورجلا زنيا فصلبهما، وجعل ظهر كلّ منهما لظهر الآخر (٢).
وبنى أربع مدائن أودعها كنوزا عظيمة، وجعل عليها طلّمسات وعدّة عجائب، وعمل منارا على البحر الشّرقي وعليه صنم إلى المشرق حتى لا يغلب البحر على أرض مصر، وعمل قنطرة على النّيل في أرض النّوبة (٣). وأقام ملكا مائة وأربعين سنة، ومات وعمره سبع مائة وثلاثون سنة.
وملك بعده ابنه شدّات بن عديم - وهو الذي تسمّيه العامّة شدّاد بن عاد - وكان عالما كاهنا ساحرا، ويقال إنّه هو الذي بنى الأهرام الدّهشوريّة، وعمل أعمالا عظيمة وطلّسمات عجيبة، وبنى في الجانب الشرقي مدائن، وفي أيّامه بنيت قوص، وغزا الحبشة وسباهم، وأقام ملكا تسعين سنة (٤).
وهو أوّل من اتّخذ الجوارح وصاد بها، وولّد الكلاب السّلوقيّة، وعمل في بركة سيوط تماسيح منصوبة تنصبّ إليها التّماسيح من النّيل انصبابا فيقتلها ويعلّق جلودها في السّفن (٥). واتّفق أنّه طرد صيدا فكبا به فرسه في وهدة فهلك. وكان قد غضب على بعض خدمه فرماه من جبل عال فتقطّع، فرأى أنّه يصيبه مثل ذلك.
ولمّا هلك وضع في ناووس ودفنت معه أمواله، وعمل عليه طلّسم يمنعه ممّن يقصده، وكتب عليه:«لا ينبغي لذي القدرة أن يخرج عن الواجب، ولا يفعل ما لا يجوز له فعله، فيجازى بعمله، هذا ناووس ابن شدّات بن عديم، فعل ما لا يحلّ له فعله، فكوفئ عليه بمثله»(٦).
وملك بعده ابنه منقاوش، وكان حكيما فاضلا كاهنا، عمل أعمالا عجيبة، وبنى أشياء معجبة، منها أنّه عمل هيكلا لصور الكواكب على ثمانية فراسخ من منف، وكنز من الأموال ما لا يحصى، وفتح عليه من المعادن ما لم يفتح به على غيره.
(a-a)) ساقطة من بولاق. (١) المسعودي: أخبار الزمان ١٣١ - ١٣٢. (٢) النويري: نهاية الأرب ٥٧: ١٥ وفيما تقدم ٨٦. (٣) نفسه ٥٨: ١٥. (٤) فيما يلي ٦٤٠. (٥) النويري: نهاية الأرب ٦١: ١٥، ٦٢ - ٦٣. (٦) نفسه ٦٣: ١٥.