وذكر ابن عبد الحكم: بعد مصر بن بيصر قفط بن مصر، وأنّ الذي ملك بعد قفط أخوه أشمن، ثم أتريب بن مصر، ثم صا بن مصر، ثم ابنه تدارس بن صا، ثم ابنه ماليق بن تدارس، ثم ابنه خربتّا (a) بن ماليق، ثم ابنه كلكن (b) بن خربتّا (a) (١).
ويقال إنّ أشمن لمّا ملك بعد أخيه، سار إليه شدّاد بن هدّاد بن شدّاد بن عاد وملك أرض مصر وهدم مبانيها، وبنى أهراما (٢)، ومضى إلى موضع الإسكندرية فبناها، وأقام دهرا ثم خرجت العادية من أرض مصر، فعاد أشمن إلى ملكه، وأنّه ملك بعده أخوه صا، ثم ملك بعد صا ابنه تدارس (c)، وفي أيامه بعث اللّه صالحا إلى ثمود (٣).
ومات، فملك ابنه ماليق البودسير، وكان من الجبابرة العظام، عمل أعمالا عظيمة، منها منار فوقه قبّة لها أربعة أركان، في كلّ ركن كوّة يخرج منها في يوم معلوم عندهم من كلّ سنة دخان ملتف في ألوان شتّى، يستدلّون بكلّ لون على شيء: فإن خرج الدّخان أخضر دلّ على العمارة والخصب في تلك السّنة، وإن خرج أبيض دلّ على الجدب وقلّة الخير، وإن خرج أحمر دلّ على الحروب وقصد الأعداء، وإن خرج أصفر دلّ على النّيران وآفات تحدث من الملك، وإن خرج أسود دلّ على الأمطار والسّيول وفساد بعض الأرض، وإن خرج مختلطا دلّ على كثرة الظّلم وبغي الناس بعضهم على بعض.
وعمل شجرة من نحاس تجذب سائر الوحوش حتى تصل إليها، فلا تستطيع الحركة إلى أن تؤخذ، فشبع أهل مصر من لحوم الوحوش.
واتّفق أنّ غرابا نقر عين صبيّ/ من أولاد الكهنة فقلعها، فعمل شجرة من نحاس عليها غراب منشور الجناحين، وفي منقاره حيّة، وعلى ظهره أسطر، فكانت الغربان تقع على هذه الشّجرة ولا تبرح حتى تموت.
وكانت الرّمال قد كثرت في أيّامه على أرض مصر من ناحية الغرب، فعمل صنما من صوّان أسود على قاعدة منه، وفوق كتفه قفّة فيها مسحاة، ونقش على وجهه وصدره وذراعيه كتابة،
(a) بولاق: خرابا. (b) كلكي. (c) بولاق: تدراس. (١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٩ - ١٠. (٢) قارن مع ابن عبد الحكم: فتوح ٤٣. (٣) انظر فيما يلي ٣٧٩.