للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسافة بعيدة، حتى ترجف الجبال وتزلزل الأرض، ويغوص في الرمل فيتعبون تعبا آخر حتى يخرجوه، ويضربون فيه بالأسافين بعد ما ينقبون لها موضعا ويثبتونها فيه فيتقطع قطعا، وتسحب كلّ قطعة على العجل حتى يلقى في ذيل الجبل، وهي مسافة قريبة. فلمّا طال ثواؤهم، ونفدت نفقاتهم، وتضاعف نصبهم، ووهت عزائمهم، [وخارت قواهم] (a) كفّوا محسورين لم ينالوا بغية، بل شوّهوا الهرم، وأبانوا عن عجز وفشل. وكان ذلك في سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة، ومع ذلك فإنّ الرّائي لحجارة الهرم يظنّ أنّه قد استؤصل، فإذا عاين الهرم ظنّ أنّه لم يهدم منه شيء، وإنّما سقط بعض جانب منه.

وحينما شوهدت المشقّة التي يجدونها في هدم كلّ حجر، سئل (١) مقدّم الحجّارين فقيل له: لو بذل لكم السّلطان ألف دينار على أن تردّوا حجرا واحدا إلى مكانه وهندامه، هل كان يمكنكم؟ فأقسم باللّه تعالى أنّهم ليعجزون عنه ولو بذل لهم أضعاف ذلك.

وبإزاء الأهرام من الضّفّة الشرقية مغاير كثيرة العدد، كبيرة المقدار، عميقة الأغوار، لعلّ الفارس يدخلها برمحة ويتخلّلها يوما أجمع ولا ينهيها لكبرها وسعتها وبعدها، ويظهر من حالها أنّها مقاطع حجارة الأهرام. وأمّا مقاطع حجارة الأهرام الصّوّان (b) الأحمر، فيقال إنّها بالقلزم وبأسوان.

وعند هذه الأهرام آثار أبنية جبّارة، ومغاير كثيرة متقنة (c)، وقلّما ترى من ذلك شيئا إلاّ وترى عليه كتابات بهذا القلم المجهول (٢).

وللّه درّ الفقيه عمارة اليمنيّ حيث يقول (٣):

[الطويل]

خليليّ ما تحت السّماكين (d) بنية … تماثل في إتقانها هرمي مصر

بناء يخاف الدّهر منه، وكلّ ما … على ظاهر الدّنيا يخاف من الدّهر


(a) زيادة من الإفادة والاعتبار.
(b) بولاق: حجارة الهرم.
(c) بولاق: منقبة.
(d) بولاق: السماء.
(١) العبارة عند البغدادي: وحينما شاهدت … سألت …
(٢) عبد اللطيف البغدادي: الإفادة والاعتبار ٤٨ - ٤٩؛ الإدريسي: أنوار علوي الأجرام ٤٠ - ٤١؛ وفيما تقدم ٣١٠ - ٣١١.
(٣) الأبيات عند عمارة اليمني: النكت العصرية ٢٧٩؛ الإدريسي: أنوار علوي ١٤٧؛ النويري: نهاية الأرب ٣٩٠: ١؛ أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٤٢: ١؛ السيوطي: حسن المحاضرة ٨٠: ١.