للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا المسلوك المطروق كثيرا، فزلاّقة تقضي إلى أعلاه، فيوجد فيه بيت مربّع فيه ناووس من حجر، وهذا المدخل ليس هو الباب في أصل البناء، وإنّما هو منقوب نقبا صادف اتّفاقا، وذكر أنّ المأمون [هو الذي] (a) فتحه (١).

وحكى من دخله وصعد إلى البيت الذي في أعلاه، فلمّا نزلوا حدّثوا بعظيم ما شاهدوه، وأنّه مملوء بالخفافيش وأبوالها، وتعظم فيه حتى تكون قدر الحمام، وفيه طاقات وروازن نحو أعلاه، كأنّها جعلت مسالك للرّيح ومنافذ للضّوء [وهذه الأهرام مبنيّة] (a) بحجارة جافية، طول الحجر منها من عشرة أذرع إلى عشرين ذراعا وسمكه من ذراعين إلى ثلاثة أذرع، وعرضه نحو ذلك.

والعجب كلّ العجب من وضع الحجر على الحجر بهندام ليس في الإمكان أصحّ منه، بحيث لا نجد بينهما مدخل إبرة ولا خلل شعرة، وبينهما طين لونه الزّرقة لا يدرى ما هو ولا صفته، وعلى تلك الحجارة كتابات بالقلم القديم المجهول الذي لم يوجد بديار مصر من يزعم أنّه سمع من يعرفه، وهذه الكتابات كثيرة جدّا حتى لو نقل ما عليها إلى صحف لكانت قدر عشرة آلاف صحيفة.

وقرأت في بعض كتب الصّابئة القديمة (٢) أنّ أحد هذين الهرمين قبر أغاثديمون، والآخر قبر هرمس، ويزعمون أنّهما بيتان عظيمان، وأنّ أغاثديمون أقدم وأعظم، وأنّه كان يحجّ إليهما، ويهدي إليهما من أقطار البلاد (٣).

وكان/ الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيّوب لمّا استقلّ بالملك بعد أبيه، سوّل له جهلة أصحابه أن يهدم هذه الأهرام، فبدأ بالصّغير الأحمر، فأخرج إليه النّقّابين والحجّارين وجماعة من أمراء دولته وعظماء مملكته، وأمرهم بهدمه، فخيّموا عنده، وحشروا الرّجال والصّنّاع، ووفّروا عليهم النّفقات، وأقاموا نحو ثمانية أشهر، بخيلهم ورحلهم، يهدمون كلّ يوم - بعد بذل الجهد، واستفراغ الوسع - الحجر والحجرين، فقوم من فوق يدفعونه بالأسافين والأنحال (b)، وقوم من أسفل يجذبونه بالقلوس والأشطان، فإذا سقط سمع له وجبة عظيمة من


(a) زيادة مما تقدم.
(b) بولاق: الحجر والحجرين يدفعونه بالأسافين.
(١) انظر فيما تقدم ٣٠٨ وأبا المحاسن: النجوم الزاهرة ٤٠: ١.
(٢) هذا قول عبد اللطيف البغدادي.
(٣) انظر فيما تقدم ٣١٢.